الليث الصغير ( الجزء الأول )

الليث الصغير ( الجزء الأول )

أمي متى يحل فصل الربيع يا ترى، يا بني ما يزال فصل الشتاء في أيامه الأولى، فلماذا كل هذا الشوق للربيع، آه لقد ضجرت من التجوال وسط الغابة، فنحن لا نفعل شيئا يذكر سوى مشاهدة الغيوم صباحا ومراقبة النجوم ليلا، اللهم صبرني على هذا الليث، حسنا ما رأيك في اصطياد بعض الغزلان… وااو حقا يا أمي إنها فكرة جيدة ولكن أريد أن أتعلم فنون الدفاع عن النفس وليس اصطياد الحيوانات، فلماذا لا تقومين باصطحابي وتعليمي بعض الفنون والمهارات القتالية لربما أغدو أسدا قويا وأستعيد مكانتي في الغابة، فكرة جيدة أنا حقا لا أدري كيف لم تخطر على بالي من قبل لكني لا أجيد فنون الدفاع عن النفس، حسنا يا أمي لا عليكِ ولكن هلا تسمحين لي بالذهاب إلى الغابات المجاورة أو حتى إذا أمكنني الذهاب الآن إلى النواحي الأخرى من غابتنا لعلي أجد معلما حكيما يرشدني ويعلمني بعض المهارات، حسنا يا بني أنا موافقة على هذا، فاذهب أينما تشاء وافعل ما تريده ولكن شرط أن يكون خيرا لك وتوخى الحذر ثم الحذر واعتني بنفسك، ففرح الليث بموافقة أمه على فكرته الذكية وبقي في تلك الليلة بجانبها حتى غلب عليه النعاس وغط في نوم عميق.

في صباح اليوم الموالي استيقظ الليث مع بزوغ الفجر فاستأذن أمه وانطلق في رحلته باحثا عن مبتغاه، فقرر أن يفتتح بحثه بالذهاب إلى إحدى نواحي القرية، وبعد بحث ثلاثة أيام لم يجد أحدا سوى بعض المدربين المخادعين الذين لا يملكون الخبرة والكفاءة العالية، وبعدما استراح واستعاد قواه، قرر أن يجرب حظه ويذهب إلى إحدى الغابات المجاورة رغم البعد والتعب، ولكن قد كان طموح هذا الليث كبيرا صلبا وقويا يصعب كسره، فلم يتردد لدقيقة واحدة، وعند بزوغ فجر اليوم الخامس شرع في رحلته الثانية.

وبعد سير دام خمسة أيام متواصلة من دون انقطاع، فإذا بالليث يلتقي في طريقه بنمر عجوز كان لا يكاد يشعر بساقيه من شدة المرض، كما أن أسنانه ودعته منذ زمن إلا اثنتين منهن قد أشفقتا عليه فبقيتا معه عساه ينتفع بهما، فناداه قائلا: يا بني من أنت وإلى أين تحسب نفسك ذاهبا، فتعجب الليث من كثرة سؤال هذا العجوز له ولكن مع ذلك فقد قرر إجابته قائلا: مرحبا يا عم أنا ليث جئت من غابة بعيدة عن هنا، كما أني متعب من شدة السفر ثم رد عليه العجوز قائلا: يا بني فلتستمع إلي جيدا لأني لن أقول لك إلا ما يليق بمصلحتك مع أنني لا أعرفك ولا أعرف حتى نسبك، وفي هذه اللحظات تذكر الليث أن أصله من العائلة المالكة للغابة ولكنه أراد إبقاء الأمر سرا بينه وبين نفسه، وأضاف العجوز قائلا: يا بني إن كنت قد قطعت كل هذه المسافة وتكبدت التعب والعناء من أجل هذه الغابة التي لم يتبق لها سوى خمسين قدما، فأنا شخصيا أرجو منك الرحيل لأن كل من سبقك إلى هنا وقرر الدخول إليها وتعرّف على شعبها أو حتى تعلم بعض المهارات، فقد انتهى به المطاف إما مفقودا أو حتى ميتا، فقاطعه الليث قائلا: ولكن لماذا يا عم .. ما خطب هذه الغابة.. أين المشكلة في دخولي إليها.

فرد عليه قائلا: حسنا تريد أن تعرف ما هو سر هذه الغابة، امم… والآن بدأت تعجبني لأن كل الحمقى من قبلك لم ينصتوا إليّ وذهبوا، بل وفوق كل هذا نعتوني بالمجنون لأني لم أرد إلا مصلحتهم ولكنك عكسهم ولهذا سوف أخبرك.. لكن هلا اقتربت قليلا، وهنا ارتبك الليث قليلا ثم اقترب، فقال له العجوز: يا بني إن هذه الغابة ملعونة.. ولكن هنا كانت ردة فعل الليث غير متوقعة من ناحية العجوز، حيث رد عليه ضاحكا: هل هذا حقا كل ما في الأمر.. أنا حقا أستميحك عذرا يا عمي ولكني قطعا لا أؤمن بهذه الخرافات.

 

يُتبع…

تأليف: الكاتب والشاعر أحمد قروط/ ولاية سكيكدة