اللهم صيبا نافعا

  اللهم صيبا نافعا

من نِعم الله علينا كبشرٍ هذه الأمطارُ التي تنزل من السماء زخًّا، هي رحمات تتنزَّل من عند ربنا؛ لتسقي الأرضَ العطشى، ويستفيد منها الفلَّاحون والمزارعون؛ ليفلحوا أرضهم، ويبذروا بذورهم، ويُحصِّلوا الخير الذي كُتب لهم من عند الله. إنَّ نِعمة المطر قد لا نلقي لها بالًا، ولا نستذكر أهميتها إلا حين تعطش الأرض فتجوع البهائم، ويتضرَّع الناس إلى المولى كي ينزع عنهم هذا الابتلاء، فتعاود زخَّات المطر النزول، فتنزل على قلوب الناس أولًا قبل أن تسقي الأرضَ البور. ليتنا نعلم قيمةَ هذه النِّعمة؛ بأن نصلح أنفسنا، ونؤوب إلى رشدنا، ويتصالح المتخاصم مع أخيه، فمِن الأسباب الرئيسة لانحباس الماء عن النُّزول من السماء جفاءُ قلوبِ مَن في الأرض.

ولو كانت القلوب صافيةً متحابَّة متعانقة، لاخْضَرت البراري، ولم ينقصنا شيء من ثمار أشجارها. يقول تعالى: ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ” السجدة: 27، هذه الآية الكريمة توضح لنا أنَّه من الواجب تدبُّر هذه النِّعمة واستجلاب أسبابها. وفي وطننا مقدَّرات من أنواع شتَّى، وأهمها مقدراتها الفلاحية الهائلة؛ فتشييد السدود، وتوصيل الأنابيب، وسقي المزروعات: لن يتأتَّى إلَّا بماء يغذِّيها ويجعلها تؤدِّي دورها الذي أنشئت من أجله. والأمطار حين تَنزل فهي تَغسل القلوب مِن الأدران، وتجعل الناس يُحسُّون أن خالقهم ينظر إليهم بعين الرأفة والرحمة، تجدهم يَضجُّون بالدعاء جلبًا لخيرات أخرى في دنياهم التي يحيونها. فالتفكُّر في مِثل هذه النِّعم واجب علينا؛ لإدراك أنَّنا مجرد بشر ضعفاء، وأن مُسيِّرَ ومُدبِّرَ الكون هو مَن بيده ملَكوته، فعلينا دومًا استشعار نِعَمه.

إن مما يدل على عظم نعمة الغيث تلك الأوصاف التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فأحيانًا يصف الماء بالبركة، قال الله ” وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ” وأحيانًا يصفه بالطهر، قال سبحانه ” وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ” وتارة يصفه بأنه رحمة قال عز شأنه ” فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” وأحيانًا يصفه بأنه سبب الحياة، والرزق قال تعالى ” وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ” وقال ” وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ” قال ابن القيم رحمه الله: “فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد والدواب والطير والنمل، يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني، فيصل إليه على شدة الحاجة والعطش” فتبارك الله أحسن الخالقين ورب العالمين.