اللهم أغثنا المطر

اللهم أغثنا المطر

إننا في هذه الأيام نعاني أزمات متعددة، ومن هذه الأزمات: أزمة القحط وقلة الأمطار. لقد أصبحت الأرض مكفهرة عابسة، غبراء قاتمة، ترسل للعيون الضيق والحزن، وغدا الجو مشحوناً بالكآبة متشحاً بالأسى، فأضحت النفوس ضيقة كئيبة. لقد حل بلاء الجدب لكي يظهر العباد افتقارهم إلى ربهم، ويبتهلوا بين يديه، ويعلموا أن ضرهم لا يكشفه عنهم إلا مولاهم، بإظهار فقرهم للغني الحميد. قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ” فاطر: 15. وقال تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أَهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم” رواه مسلم. إن بعض الناس قد لا يدرك هذه البلية؛ لغفلته عن شكر نعمة الغيث النافع، ولظنه أن نفع المطر إنما هو لأهل المواشي والزروع، وسكان البوادي والقفار، ولا يدري أن أكله وشربه وصلاح بيئته قائم على نعمة الأمطار. فلا صلاحَ لعيش الناس في أي مكان كانوا إلا بالمطر، قال تعالى: ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ” الملك: 30. إن تأخر المطر عن ميعاده، مع شدة الحاجة إليه له أسبابه، فما هي أسباب حبس المطر عنا ونحن في موسمه الذي ينزل فيه؟

لقد انحبس الغيث عن الأرض حينما جفت القلوب من غيث الإيمان، وفاضت بالاعتماد على غير الله، واليقين بمن سواه، ورجاء غيره، ونسيان حقه. وصارت مملؤة بالأحقاد والحسد، والأضغان والكراهية الممقوتة، والرغبة في الدنيا والحرص عليها، ولو أدى ذلك إلى ترك الدين الحق وخسارة الآخرة. وحبس المطر لأن الألسنة جفت كثيراً عن ذكر الله وشكر نعمة الغيث وآثاره، وأصبحت رطبة بذكر الدنيا، وعبارات اليأس والقنوط، والكلام في أعراض المسلمين أحياء وأمواتا. قال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إبراهيم: 7. وحبس المطر لأن الأرض صارت تشكو إلى ربها تخمتها من ذنوب بني آدم، فبساط المعصية مازال ممدوداً بين الناس فمستقل منه ومستكثر. حتى لقد تضررت بمعاصي بني آدم الحيوانات فحرمت الغيث الذي ينبت لها رزقها. فإذا أردنا أن يغير الله ما بنا من الشدة فلنغير ما بأنفسنا من شر إلى خير ومن معصية إلى طاعة، ومن إعراض عن الله عز وجل إلى إقبال عليه. قال تعالى: ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” الأنفال: 53. فلنعمر قلوبنا وحياتنا بالإيمان والتقوى، قال تعالى: ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ” الأعراف: 96. ولنتب إلى الله تعالى من جميع ذنوبنا صغيرها وكبيرها، سرها وعلنها ما بيننا منها وبين الله، وما بيننا وبين الناس. ولنكثر من الاستغفار الصادق بالقلوب والألسنة، قال تعالى عن نبيه هود عليه السلام: ” وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ” هود: 52.