لم تكن محل نقاش في السابق

اللمجة ..محور نقاش عند كل دخول إجتماعي

اللمجة ..محور نقاش عند كل دخول إجتماعي

– التربية الغذائية للأطفال من سيء لأسوء

مع كل دخول اجتماعي جديد يعود الحديث عن التربية الغذائية للأطفال، وعن النمط الغذائي الذي ينبغي أن يتبعه الأولياء من أجل ضمان التغذية المناسبة لأطفالهم ،هذا الأمر الذي لم يكن محل حديث أوجدل سابقا أصبح محور نقاش في الوقت الراهن .

فمع مرور السنين تحولت لمجة التلاميذ من مأكولات خفيفة تحضرها الأمهات في البيوت إلى مجموعة منتوجات غذائية جاهزة تتنوع بين البسكويت، الياغوورت، الشوكولاطة والهلاليات والشيبس والمشروبات الغازية مع تكلفتها المرتفعة، وهو الأمر الذي جعل بعض الأولياء يخصصون ميزانية لها، رغم أنها لا تعود دائما بالفائدة على صحة أطفالهم، حسب المختصين في التغذية.

 

..عندما تحل الهلاليات محل المطلوع

لم تعد بعض الأمهات يهتممن بفطورالصباح الخاص بأطفالهن، بل أصبحن يعتمدن على اقتناء بعض المنتجات الغذائية المصنعة كالبسكويت، والحلويات والشكولاطة.. ظنا منهن أنها تحتوي فيتامينات وأنها مغذية أحسن من تلك التي تحضر في المنزل.. عكس جداتنا اللواتي كنّ يحرصن على تحضير مختلف أنواع الحلويات والعجائن على غرار الكسرة، المطلوع، المثقبة وغيرها، متناسين تماما الأضرار التي قد تنجم عن المواد الكيميائية التي تدخل في صناعة مثل هذه المنتوجات.

 

علبة اللمجة حاضرة ضمن المشتريات

تنتشر علب اللمجة  سواء في محلات بيع الأواني أو الأغراض المدرسية ،و لوحظ مؤخرا أنه ما إن تفتح محفظة تلميذ الطور الابتدائي بالخصوص، إلا ورأيت في الواجهة الأولى مأكولات وحلويات يحظرها الطفل معه إلى المدرسة أو إلى دور الحضانة من أجل تناولها في فترة ما قبل الغذاء أو بعد الفطور، وهذا ما يعرف باللمجة ،و بهذا صارت هذه الأخيرة تأخذ مكان الوجبة الرئيسية التي تعد ضرورية لصحة الطفل ، وعن هذا الموضوع حدثتنا السيدة  صبيحة 35سنة، عن سلوكيات طفلها الذي  سيلتحق بالقسم الثالث من الطور الابتدائي، حيث أنه و منذ أن كان في الصف الأول يشترط عليها شراء مجموعة كبيرة من الحلويات المختلفة والشكولاطة، وفي حال ما إذا ما امتنعت عن شرائها له يرفض الذهاب إلى المدرسة، وهذا بحجة أن كل أصدقائه يحضرون معهم ذلك وتضيف – لنا محدثتنا- أن طفلها قد أصيب مؤخرا بسوء حالته الصحية بسبب النمط الغذائي الذي يتبعه، بحيث أن تلك اللمجة التي يتناولها تقطع شهيته للأكل وتمنعه عن تناول وجبة الغذاء.

و هوتقريبا نفس ما أعرب لنا العديد من الأولياء الذين التقيناهم ، أن ” اللمجة ” سلاح ذو حدين ، فيمكنها أن تسيء لصحة الطفل الذي هو بحاجة إلى غذاء متوازن يُساعده على استيعاب جيد للدروس، بحيث أخبرنا السيد حسان 55 سنة، إطار بمؤسسة عمومية أنه يحرص بشدة على نوعية اللمجة التي يشتريها لولده ، ويفضل دائما أن تكون وجبة خفيفة ووحيدة رغم إصراره على أنواع أخرى من الحلويات، ويضيف -محدثنا- قائلا أن دور الأولياء كبير في توجيه الأطفال نحو السلوك الصحيح الذي يعتمدونه في الحياة .

وعن نوعية المأكولات التي يحملها معه التلميذ في محفظته كلمجة يتناولها في فترات الراحة، كان لنا حديث مع عدد من الأساتذة الذين أعربوا جميعهم، أن أغلبية اللمجات عبارة عن حلويات وشكولاطة ، فيما يبقى عدد قليل جدا يعد على أصابع اليد من يحمل معه نوع من الفواكه أو خبز بجبن.

 

حملات لتوعية الأولياء

و مع التزايد اللافت للظاهرة  يوجه المختصون في التغذية من خلال الحملات التحسيسية التي يُنظمونها، جملة من الإرشادات والتوجيهات لتوعية الأولياء إلى ضرورة الإنتباه إلى ما يتناوله أبناؤهم خارج المنزل، خاصة بالنظر لما تسببه الأغذية المصنعة والمحلاة من أمراض لم تكن معروفة ومتواجدة سابقا ، خاصة فيما يتعلق بوجبة  “اللمجة” التي أصبحت محل اهتمام الأولياء و الأطفال على حد سواء ،خاصة  بالنسبة للمتمدرسين في الطور الابتدائي ، فأصبح السؤال الذي يطرح نفسه يتمحور حول حسن اختيار اللمجة من طرف الأولياء و نظرة  المختصين في التغذية إلى هذه الوجبة؟.

 

من وجبة ثانوية إلى بديل أساسي

وفي حديث جمعنا مع عدد من الأولياء، تبين لنا أن اللمجة بالنسبة لهم تحولت إلى بديل عن فطور الصباح، لأن أغلب الأطفال لا يتناولون فطور الصباح، ويفضلون ما يباع في المحلات من مشروبات  وبسكويت بالشكولاطة وعلب الياغوورت ، وهو ما حدثتنا به السيدة فريدة ، التي قالت “اللمجة بالنسبة لابني عبارة عن علبة عصير وكعك محلى بالشكولاطة يتناولها بصورة يومية”، مشيرة إلى أن ابنها لا يشرب مطلقا الحليب، كما يرفض رفضا قاطعا  فكرة الأكل في الصباح، و يُفضل الإنتظار حتى العاشرة، ليتناول لمجته، ويرفض أي شيء آخر بديلا عن الكعكة المحلاة بالشيكولاطة والعصير، وهو ما نفس ما قالته سيدة أخرى قالت؛ ” أن ابنتها تتناول حليب الصباح دون أن تأكل معه أي شيء آخر، لذا تضطر لأن تشتري لها علبة من البسكويت والعصير، وتعلّق “رغم أنني أعلم أنه غير صحي، إلا أنني مضطرة إلى النزول عند رغبتها و مسايرتها “، بينما  اعتبرت مواطنة أخرى أن التقليد هو السبب الرئيسي وراء تفضيل أبنائهم للوجبات المحلاة، حيث أشارت في معرض حديثها إلى أن طفلها كان يأخذ الفاكهة والخبز بالجبن، لكن بعد أن احتك بزملائه، أصبح يرفض الفواكه ويصرّ على والدته لتشتري له العصير والبسكويت، وهو الأمر الذي لم تجد له حلا لأن ابنها عند موعد الغداء يرفض تناول وجبته، لأن السكريات التي تناولها زودته بطاقة جعلته لا يشعر بالجوع.

 

كريم مسوس :” اللمجة” ب”عقليتنا “مضرة بالصحة

و رغم أن اللمجة في معناها الحقيقي ، تزود الطفل بالفيتامينات وتمنحه الطاقة حتى وصول وقت الغذاء ، إلا أنها  تحولت وأخذت منحا آخر حسب كريم مسوس أخصائي التغذية الذي قال أن اللمجة وفقا للعقلية الجزائرية التي تعتمد اعتمادا كليا على كلّ ما هو محلى “خاطئة”، بل أكثر من هذا، تعتبر مضرّة بالصحة، ويوضح ذلك بقوله :”يُفترض في هذه الوجبة الصباحية  أن تكون عبارة عن وجبة خفيفة حتى لا يشعر الأطفال بالجوع الشديد، وتكون لديهم القدرة على انتظار موعد الغداء، وعادة ما يتم تناولها في فترة الاستراحة عند الساعة العاشرة، غير أن الملاحظ في مجتمعنا أن “اللمجة “تحولت إلى وجبة دسمة تحوي على نسبة عالية من السكريات والدهون، الأمر الذي أفقدها صفتها، والغاية التي وجدت لأجلها”، وفي شرحه لمخاطر اللمجة قال الأخصائي أنه  من أكثر المخاطر الناجمة عنها، أنها تزود الأطفال بطاقة فارغة، نتيجة تناول كميات كبيرة من السكريات، كما أنها تعودهم على الذوق الحلو،  بالتالي تربيهم منذ الصغر على تفضيل الوجبات المحلاة بدل  المالحة، وهو مؤشر غير صحي، يقود في المستقبل إلى الإصابة بالبدانة والسكري من النوع الثاني، خاصة و أنّ اللمجة التي عادة ما تكون عبارة عن قالب شكولاطة أو بسكويت محلى أو عصير يجعل الطفل يفقد تركيزه، لأن تفكيره يظل منشغلا بوقت حلول الموعد ليتناول لمجته، خاصة إن كان من الأطفال الذين لا يتناولون فطور الصباح الذي أثبتت الدراسات أهميته القصوى للصحة الطفل “.

 

“الغذاء “الضحية الثانية ل”اللمجة ”

كما يرى كريم مسوس أن من بين أهم مساوئ اللمجة، أنها دفعت بالطفل إلى التخلي على وجبة الغداء، التي يفترض أنها ضرورية لصحة الطفل و وصل الأمر إلى نصحه كمختص أن يتم التخلي عن “اللمجة ” نهائيا، لأن أضرارها أكثر من منافعها وتعويضها ببعض الفواكه التي حقيقة رغم غلائها، إلا أنها تظل أفضل عوض الحلويات، وبدلا من إعطاء الطفل حبة كاملة، يكفي نصف أو ربع حبة تفاح مثلا، أو بعض حبات العنب أو التمر، من جهة يسدّ ذلك الجوع، ومن جهة أخرى لا يشعر بالشبع، وعند حلول موعد الغداء تكون شهيته مفتوحة و يجد نفسه جائعا و مضطرا للأكل.

 

دعوات للعودة لفطور الصباح

و توافق رأي الإخصائي كريم مسوس مع البروفيسور خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة  الذي دعى هو الآخر إلى ضرورة التخلي عن اللمجة، وحثّ الأولياء على الإهتمام أكثر بوجبة الإفطار الصباحية لأطفالهم، وقال “وجبة الإفطار إن كانت كاملة، يمكن الإستغناء نهائيا عن اللمجة”، مشيرا إلى أن الدراسات الحديثة في مجال التغذية عند الأطفال، تشير إلى أن اللمجة تعتبر من الأخطاء الاجتماعية الفيزيولوجية، لأن التغذية تختلف من عائلة إلى أخرى، كما أن ماهية الغذاء الصحي كثقافة غير متوفّرة عند كل الأولياء، بالتالي الأصح في التربية الغذائية تكون بالعودة إلى طريقة التربية التقليدية التي يجبر فيها الأطفال على النوم باكرا،  لأخذ قسط وافر من ساعات النوم والإستيقاظ في وقت مبكر، لتناول فطور الصباح الذي يعتبر إلزاميا ويحوي على نسبة من البروتينات والسعرات الحرارية التي تساعده على التمدرس بشكل جيد ،و بالتالي فالحل في العودة إلى النظام الإجتماعي والعائلي التقليدي الخالي من كل ما هو مُصنع .

ق.م