الكنز المُهان

الكنز المُهان

إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك، فأغمض عينيك؛ فإن كثرة اعتيادنا نِعَمَ الله علينا وإلفنا لها، جعلنا نغفُل عنها وننساها، ولا نشعر بقيمتها، وكأنها واجب على الله لنا! فلا يشعر بقيمة النعمة إلا من زالت عنه أو حُرم منها، فلا يعرف قدر نعمة البصر إلا الأعمى، ولا يعرف معنى نعمة الصحة إلا المرضى، ولا يرى نعمة الأمن إلا الخائف، ولا يشعر بنعمة الطعام إلا الجوعى. فمن ذاق آلام الجوع وتفتت كبده، عرف نعمة الطعام والغذاء. ومن عرف قدر نعمة الطعام، قطع العهد على نفسه أن يحافظ على هذه النعمة ولا يُهينها أبدًا. ولعلك تلاحظ أن أيام النبي لم تكن عندهم الفُرُش كالتي لدينا، فربما وقعت اللقمة على التراب، فيميط النبي صلى الله عليه وسلم عنها الأذى ويأكلها، فمن منا يصنع ذلك الآن؟ إن أحدنا إذا سقطت منه اللقمة، لم يهتم بها ولم ينظر إليها، فلماذا ينظر إليها؟ إن المائدة عليها أصناف وألوان من الطعام، وإن أوانيَ الطهي ممتلئة بالأطعمة، فلماذا يلتقط إذًا اللقمة الساقطة؟ إنه يمتلك الطعام الكثير، إن من احتقر قليل الطعام احتقر كثيره، ومن أهان قليله أهان كثيره.

إن حبات الأرز المتساقطة على مائدتك، أو فتات الخبز المتناثر عليها، أو قليل الحساء الذي تحتقره، أو حبات التمر الملقاة على الأرض – يتمناها غيرك من المحاصرين والمشردين، والفقراء والمساكين؛ ليسد بها جوعه، أو يُسكِت بها بكاء أطفاله، إنها عنده أغلى من كنوز الأرض، إنها عنده أغلى من الذهب والماس، فهل يسد الذهب أو الماس جوعته إذا غاب الطعام؟. أدعوك الآن أن تغمض عينيك وتسرح بخيالك وتتصور أنك بت ليلتك، ثم استيقظت في الصباح، فلم تجد طعامًا في منزلك، فذهبت إلى الأسواق فلم تجد طعامًا تشتريه، وأنت الآن جوعان، ماذا تصنع وقتها؟ وكم تساوي اللقمة الساقطة عندك وقتها؟ وأيهما أغلى اللقمة الساقطة أم أطنان الذهب؟. هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرَّ في الطريق ذات مرة، فرأى تمرةً ساقطةً، ولا يعلم مصدرها ولا ممن سقطت، وكان لا يأكل الصدقة، فقال: “لولا أن تكون من صدقة لأكلتُها” صحيح البخاري. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الحفاظ على الطعام وعدم إهانته، وتعظيمه وإن كان قليلًا، حتى يزيدنا الله من نِعَمِهِ ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ” إبراهيم: 7، فهل شكرنا نعمة الطعام والشراب ؟.

موقع إسلام أون لاين