الكتب في غزة… من مصدر للثقافة إلى وقود للطهي والتدفئة

الكتب في غزة… من مصدر للثقافة إلى وقود للطهي والتدفئة

في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة بفعل الحرب وغياب مقومات الحياة، ومن بينها غاز الطهي الذي تمنع إسرائيل دخوله، اضطر العشرات من المواطنين لحرق الكتب المدرسية والثقافية ورسائل الماجستير والدكتوراه لإشعال النيران وسط نفاد شبه كامل للحطب في بعض المناطق.

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر الماضي، لجأ الفلسطينيون للطهي بالطرق القديمة باستخدام الحطب وأوراق الكرتون من أجل إشعال النيران بهدف الطهي والتدفئة، إلا أنهم اتجهوا أخيراً إلى الكتب لتحقيق هذا الهدف للاستمرار في الحياة بأقل المقومات.

ومن غالبية مناطق القطاع المكتظة بالسكان خاصة في الجزء الجنوبي، ينبعث الدخان الأسود الكثيف الناجم عن حرق الأوراق، ويتداخل مع دخان القصف الإسرائيلي مسبباً ما يصفه المواطنون بـ “ضبابية الرؤية”.

كما يسبب الدخان الناجم عن هذه المواد المحترقة أمراضاً في الجهاز التنفسي للمواطنين الذين يجلسون أمامه لساعات طويلة منتظرين لحظة الانتهاء من إعداد الطعام.

وقالت الصحافية الفلسطينية إسراء المدلل إن والدتها وشقيقيها اضطروا لحرق أطروحات الدكتوراه من أجل إعداد رغيف الخبز.

وأضافت المدلل، في منشورات لها قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي: “رسالة الدكتوراه لأمي السيدة نعيمة ولاثنين من أشقائي الدكتورين عبد الله ومحمد، جمعوها لإحراقها بدلا من الحطب والخشب الذي نفد، من أجل رغيف الخبز وكوب شاي ساخن”.

وكذلك فعلت الفلسطينية ربا أسليم، التي اضطرت لحرق رسالة الماجستير خاصتها لإشعال النار اللازم من أجل طهي القليل من المعكرونة لأطفالها، والتي حصلت عليها كمساعدات.

وكلما خفتت حدة النيران التي تشتعل تحت قدر الطعام، تمزق أسليم المزيد من أوراق رسالتها لضمان الاشتعال حتى ينضج الطعام.

وفي مدينة رفح، أقصى جنوبي قطاع غزة، لجأت مجموعة من المواطنين إلى الكتب الثقافية الموجودة في مكتبة البحرين، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لاستخدامها في إشعال النيران.

هذه المكتبة، التي شكّلت دائماً قبلة للمثقفين والقراء وللأنشطة الثقافية والفكرية، تحوّلت إلى مصدر للوقود “الورقي” الذي يساهم في إشعال النيران لطهي الطعام.

وأفاد شهود عيان يقطنون بالقرب من هذه المكتبة، في أحاديث مع “الأناضول”، بأن مجموعة من المواطنين دخلوا قبل أسابيع هذه المكتبة وأخرجوا مجموعات من كتبها لحرقها.

بدوره، قال المدون الفلسطيني حمزة أبو توهة في منشور على “فايسبوك” في 25 نوفمبر الماضي: “مكتبة البحرين المليئة بما لذ وطاب من كتب وموسوعات نشأتُ في أحضانها منذ تأسيسها قبل 13 عاماً، مررت بجانبها اليوم فوجدت الناس قد فتحوها وأخذوا كل ما فيها من كتب وأرفف وأخشاب حتى يشعلوا ناراً تصنع لهم الخبز بعد انعدام الغاز والوقود”.

وأضاف: “جلست على ركبتي أبكي على مشهد الكتب والموسوعات التي يحملها الناس للحرق، بعدما أحرق كثيرون منهم ملابس لهم لذلك الغرض”.

وتحتوي مكتبة البحرين التابعة لـ “أونروا”، والتي يوجد فرعان منها، الأول في جباليا، شمالي القطاع، والثانية في رفح، آلاف الكتب كما تضم مختبرا للحاسوب وقاعة سينمائية ثلاثية الأبعاد.

فضلاً عن أن هذه الكتب التي يتم حرقها تمثل خسارة معرفية، إلا أن الدخان المنبعث منها يسبب مضاعفات صحية خاصة في الجهاز التنفسي للأشخاص الذين يجلسون قبالته أو يتعرضون له مباشرة.

ق\ث