أثارت برامج لـ “الكاميرا الخفية”، تعرض خلال شهر رمضان في الجزائر، موجة غضب بين المشاهدين، لما تحمله مضامينها، حسب مختصين، من إهانة للمرأة وترويج للسحر وعنف جسدي ولفظي.
ومن بين هذه البرامج: “حكمناكم قاع” (تمكّنا منكم كلكم)، و”أنا وراجلي” (أنا وزوجي)، و”الكادنة” (القفل)، و”الإرث”، و”ما تزعفوش علينا” (لا تغضبوا منّا).
وأثار برنامج “أنا وراجلي” الذي بُث على قناة “نوميديا”، ضجة كبيرة؛ بسبب فكرته التي تسيء للمرأة وللمجتمع الجزائري، وفق مشاهدين ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي.
وتقوم فكرة “المقلب” على اختيار شخص والإيقاع به عبر الاقتراح عليه أن يتزوج، بعد أن يجيب عن أسئلة، لتكون هديته في النهاية امرأة (زوجة).
وبعد الإلحاح عليه، وإقناعه بتوفير تجهيزات الزفاف، يوافق وهو حائر، بحضور إمام لقراءة الفاتحة. وحسب متابعين، فإن البرنامج يحمل إساءة للمرأة الجزائرية، ويضرب بقيم الأسرة عرض الحائط بتقديم المرأة كهدية.
وقال فيصل مطاوي، صحفي مختص بالشأن الثقافي عبر صفحته على فايسبوك: “عندما تصبح المرأة هدية تعطى للرجال”.
وأضاف: “هذه الكاميرا الخفية قمة في الابتذال والغباء، يعني وصلنا إلى هذه الدرجة من الانحطاط”.
وتساءل مستنكرا: “أين كرامة الإنسان؟ لا ذوق، لا ذكاء، لا فكر، لا حس، فراغ مفرغ. أوقفوا هذه المهازل”.
مقلب الساحر المسن
لم يكن برنامج “أنا وراجلي” الوحيد المثير للجدل، بل خلّفت برامج “كاميرا خفية” أخرى استياءً بين المشاهدين.
واستضاف برنامج “الكادنة” في الحلقتين الأولى والثانية مغنيين، يدعيان “الشاب مازي” و”الشابة سهام”، وتم إيهام كل منهما بأنّ به سحرا، وأنّ رجلا مسنّا دفن إحدى صوره (المغني) في مقبرة، وعليه قفل.
وبعد إخبار الضحية بما حدث له، ينفعل ويغضب ويضرب الرجل المسّن، الذي يُحضر إليه، وتكون النتيجة عنفا جسديا ولفظيا.
وبالنسبة لبرنامج “حكمناكم قاع”، فهو يستضيف أحد مشاهير التمثيل في الجزائر، ليشارك في تصوير مسلسل.
وأثناء التصوير يتعرض لمواقف محرجة كأن تطلب منه فتاة معجبة به التقاط صورة معه، هنا يتدخل صاحب البرنامج ويضرب الفتاة ويتكسر هاتفها، ما يدخل الضيف في حالة هستيريا تصل حد الضرب واستخدام ألفاظ مشينة.
إنذار رسمي
وجهت سلطة ضبط السمعي البصري، إنذارا لقناة تلفزيونية خاصة؛ بسبب برنامج رمضاني وصفته بـ “المخالف للقواعد المهنية والأخلاقية”.
وقالت الهيئة، في بيان، إنها تابعت حلقة برنامج الكاميرا الخفية بعنوان “أنا وراجلي”، الذي بثته القناة الخاصة نوميديا يوم 24 أفريل الجاري، واطلعت على ردود فعل المواطنين عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي وأيضا ردود الصحافة الوطنية على ما تضمنه البرنامج.
وأضافت أن البرنامج تضمن: “مخالفات جسيمة مست بقواعد المهنة وأخلاقياتها، وأخلت بمبادئ وقواعد النظام العام، والمساس بالحياة الخاصة وشرف وسمعة الأشخاص، وعدم احترام الكرامة الإنسانية”.
وتابعت الهيئة: لهذه الأسباب “فإن سلطة ضبط السمعي البصري توجه إنذارا لقناة نوميديا TV بعدم تكرار مثل هذه الأنواع من البرامج، والالتزام الفوري بذلك، وتحتفظ السلطة باتخاذ إجراءات أخرى في حالة تماديها (القناة) في ذلك”.
وعشية شهر رمضان، دعت الهيئة، في بيان، الأربعاء الماضي، مختلف القنوات التلفزيونية والإذاعية إلى “احترام الآداب وأخلاقيات المهنة والالتزام بالقواعد المهنية”.
وقف بث البرنامج
فور صدور الإنذار، قالت القناة، في بيان، إنها “تتقدم باعتذارها عمّا ورد في برنامج الكاميرا الخفية “أنا وراجلي”، وتعتبر بث الحلقات خطأ معزولا وسوء تقدير”.
واعتبرت أن ما حدث “لا يعكس تماما حرص القناة على خدمة العائلة الجزائرية وتقديم محتوى يتماشى ومقدسات المجتمع، خاصة في شهر رمضان”.
وأعلنت القناة عن “سحب البرنامج، الذي ينتجه فريق عمل مستقل من شبكتها البرامجية الرمضانية، واتخاذ إجراءات عقابية تفاديا لتكرار هذا الخطأ”، بحسب البيان.
وتابعت: “تقدمت القناة بأسفها للشاب (سفيان) ضحية المقلب ولأفراد عائلته، وتعلن تضامنها معه”.
ووفق الممثل دادي عبد الرؤوف، فإن “المستوى الفني الضعيف للبرامج الرمضانية له أسباب عديدة، منها غياب منظومة إنتاج على مدار السنة، مما يجعل البرنامج الرمضاني الفرصة الوحيدة للعمل بالنسبة للممثل والمنتج والتقني”.
ويقول دادي: “هذا لا يتيح له فرصة الاستقرار المالي لاختيار الأفضل والأسوأ، فيقع فريسة للمنتجين الذين يعملون بسياسة: مصاريف أقل، ربح أكبر”.
ويضيف: “لا ورشة سيناريو، لا تجارب أداء، ولا اختصاص في المجال التقني، هذا يفسح المجال للكاميرا الخفية التي لا هدف لها”.
ويشدد على أن “حرية التعبير لا تعني السخرية من سجناء أو محاكاة غير مفيدة لوقائع مضت، وليس من شيم الفن انتقاد الأشخاص، بل ظواهر وأفكار”.
ابتذال لجذب المشاهدين
من جهته، يرى فيصل شيباني، صحافي مختص بالشأن الثقافي، أن “الإنتاج الفني في الجزائر بلغ مرحلة سيئة جدا”.
ويردف: “أصبحنا أمام واقع أكثر مأساوية، هناك شركات إنتاج تسعى، بمعية قنوات خاصة، لرفع نسب المشاهدات على حساب القيم والأخلاق”.
ويستطرد: “مثلما يحدث في عديد برامج الكاميرا الخفية التي تقدم مضمونا مبتذلا للمشاهدين، وهذا ما يجعلنا نتساءل: أين إنسانيتنا قبل كل شيء؟ من يخول لتلك الشركات أو الأشخاص ترهيب الناس تحت غطاء كاميرا خفية؟”.
ويتابع: “ما يحصل على صعيد البرامج الرمضانية يعدّ إرهابا بصريا يتطلب تدخل سلطة ضبط السمعي البصري”.
ويستدرك: “هذه السلطة غالبا ما تبقى في موقف المتفرج، وكأنها هيئة من دون روح وصلاحيات”.ويشدد شيباني على أن “التخويف في برامج الكاميرا الخفية أصبح أشبه بالأطباق التقليدية”.
موجة استنكار إلكترونية
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، استنكر نشطاء مضامين برامج “الكاميرا الخفية” التي تقدمها قنوات جزائرية خاصة.
وتساءل نجم الدين سيدي عثمان، صحافي، على فايسبوك: “هل نضبت الأفكار الإبداعية إلى حد الاستخفاف بالبسطاء والضحك على كرامتهم الإنسانية؟ هل يمكن للزواج أن يكون مقلبا؟”.وأضاف: “أين سلطة ضبط السمعي البصري؟ افتحوا التّلفزيونات للمبدعين، الجزائر شاسعة وولادة”.
وتساءلت نوال مسعودي، ممثلة جزائرية، على فايسبوك: “هل يعقل أن تقدم قنواتنا هكذا ابتذال لحصص رخيصة أمام مرأى العائلة الجزائرية المحافظة وكل العالم؟”.وتابعت: “هل يعقل أن تمر هكذا سفاهة فكرية للمشاهد والمجتمع عبر قنواتنا؟ ومن أين تأتون بهذه الأفكار المتعفنة؟”.
ودعت “سلطة ضبط السمعي- البصري” إلى معاقبة المسؤولين عن تلك البرامج، ووقف هذه المهازل، على حدّ وصفها.