أكد الكاتب جوزيف مسعد أن الرعب الذي شعر به الصهاينة بعد انتصار الشعب الجزائري على المستعمر الفرنسي، كان من النوع الذي جعل الجنرال الصهيوني السفاح الأسبق أرييل شارون يحتفظ بنسخة من كتاب أليستير هورن الكلاسيكي عن تاريخ النضال الجزائري “حرب وحشية من أجل سلام” على منضدة بجانب سريره، لافتا إلى أن الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، ربما قد تمنح قادة الكيان الصهيوني الآخرين تعلم دروس تاريخية أفضل من التي تعلمها شارون.
وفي مقال مطول نشره موقع “عربي 21” كشف كاتبا عن تواطؤ الصهاينة الكبير من أجل التصدي لاستقلال الشعب الجزائري:
“لقد أوضح الجنرالات الفرنسيون أن تحالفهم مع الكيان الصهيوني كان جزءاً من القتال ضد الجزائريين. وكانت إسرائيل تزود فرنسا بالكثير من المعلومات الاستخباراتية بشأن عمليات شحن أسلحة مصرية إلى جبهة التحرير الوطني، مما مكّن فرنسا في أكتوبر 1956 من اعتراض السفينة “آثوس”، التي كانت ترفع العلم السوداني وتحمل أسلحة لجبهة التحرير الوطني. وقد كان هذا التحالف وثيقاً لدرجة أن إسرائيل شاركت في مناورات عسكرية مشتركة مع فرنسا على الأراضي الجزائرية.
وتابع في البوح بحقائق تاريخية مهمة: “ساعد جاك سوستيل، بعد فترة 13 شهراً قضاها كحاكم عام لفرنسا في الجزائر، في إنشاء وقيادة مجموعة الضغط (اللوبي) المؤيدة لإسرائيل، والتي كان اسمها “تحالف فرنسا- إسرائيل” في نوفمبر 1956. وقد جاء ذلك في أعقاب الغزو الثلاثي على مصر. وفي غضون ذلك، ضغط الحاخام الأكبر لفرنسا على صحيفة نيويورك تايمز، نيابة عن الفرنسيين، ضد استقلال الجزائر وحصل على “وعد من محرر كبير في نيويورك تايمز لمواصلة دعم الخط الفرنسي بأمانة خلال مداولات الأمم المتحدة”. وفي عام 1958، ناشد سوستيل ليس فقط إسرائيل، بل المجتمعات اليهودية في العالم لدعم الفصل العنصري الاستيطاني الفرنسي في الجزائر: “نعتقد أنه بالنظر إلى التأثير الذي تمارسه ليس إسرائيل فحسب، بل المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم على الرأي العام، فإن هذا التحالف سيؤدي إلى إسعادنا”. وكان سوستيل قد انضم إلى منظمة المستوطنين الإرهابية السرية المسلحة “أو آه إس” في عام 1960 لمحاربة استقلال الجزائر.
وتابع فاضحا خيوط المؤامرة: “لم يكتف التحالف بتوفير الأسلحة والتدريب العسكري للإسرائيليين، بل سمح للفرنسيين أنفسهم بتعلم الحيل الإسرائيلية، بما في ذلك الممارسة الإسرائيلية لـ “قصف القوافل”، التي استخدمها الفرنسيون في الجزائر. وقد تم إرسال ضباط فرنسيين إلى إسرائيل لتعلم تقنيات الحرب النفسية، وقد أصر الجنرال موريس شال، قائد القوات الفرنسية في الجزائر (1958-1960)، على أن الإسرائيليين كانوا “فنانين بارعين” في التعامل مع الفلسطينيين. وكان شال يأمل في استخدام مؤسسة الكيبوتس العنصرية كنموذج لبرنامج “التهدئة،” وهي كلمة تجميلية يستخدمها الغرب بدل عن “القمع”، في الجزائر”.
وأضاف الكاتب في سرده لحقائق تاريخية حاول الصهاينة اخفاءها: “قدمت إسرائيل، على إثر شعورها بالإحباط من عزلتها باعتبارها آخر مستعمرة استيطانية في العالم العربي، الدعم اللوجستي للإرهابيين الفرنسيين من مستوطني الجزائر، بما في ذلك تقديم الدعم لسوستيل، الذي كان يحظى بدعم بن غوريون نفسه. وتم تمويل سوستيل من قبل أثرياء يهود أمريكيين يمينيين موالين لإسرائيل بالموازاة مع تكوين مجموعات من يهود جزائريين ونظمت نفسها في مدينة وهران ضد المسلمين الجزائريين، وقد سعت هذه المجموعات إلى تقسيم المستعمرة الاستيطانية على أسس “عرقية”، وقد قيل إنهم استلهموا الفكرة في سعيهم هذا من سياسة الحكومة الإسرائيلية. وقد قامت إسرائيل أيضاً بتجنيد يهودي جزائري واحد على الأقل، كان قد انضم إلى منظمة المستوطنين الإرهابية السرية المسلحة “أو آه إس”، في شبكة تجسس إسرائيلية، وهو اليهودي جان غناسيا، أحد قادة منظمة “أو آه إس”، وكانت له اتصالات مع عملاء إسرائيليين. وقد تمت محاكمته في محكمة فرنسية لاحقاً نتيجة علاقته بالمخابرات الإسرائيلية”.
وختم الكاتب بالإشارة إلى أن صمود الشعب الجزائري وإصرار مجاهديه وسياسييه على الاستقلال أفشل كل الخطط.
جوزيف مَسعد ولد في الأردن عام 1963 من أصول فلسطينية مسيحية، هو أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا. ركزت كتابته النظرية على القومية الفلسطينية والأردنية والإسرائيلية. من أشهر كتبه آثار الاستعمار: خلق الهوية الوطنية في الأردن، والإصرار على المسألة الفلسطينية.
ب/ص