جعلت الكتابة حياة أخرى جديدة لنفسها ولمن هم حولها، كتبت للمرأة المرهقة التي تسكنها، تلك المرأة غير قادرة على البوح بما تحس أو تشعر، تكتب للإنسان، للخير، ولنفسها كي تشعرها أنها لا تزال على قيد الحياة.. إنها الكاتبة والقاصة بهيليل فضيلة أو فضيلة نور الهدى.
* فضيلة تكتب، لمن تكتب؟

الكتابة بالنسبة لي حياة أخرى جديدة أمنحها لنفسي ولمن هم حولي، أكتب للمرأة المرهقة التي تسكنني، للمرأة التي لا تزال غير قادرة على البوح بعد تلك التي تحتاج طاقية وحروفا تخبئ داخلها عاطفتها المتأججة كي لا يصل إليها برد انتقادات. أكتب للإنسان فينا، لذلك الذي لا يبحث عن شيء سوى أن يظل الخير خيرا شاملا لجميع الناس.
أول إصدار كان مجموعة قصصية بعنوان “على هامش صفحة” عن دار الكلمة سنة 2017، كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟
بداياتي كانت مع الخاطرة أيام ثانوية عبد الحميد بن باديس بالعين الصفراء، كنت أكتب وأعرض محاولاتي على الصديقات والأصدقاء، فأنتشي وأنا أرى إعجابهم بحروفي، والدتي أيضا أطال الله في عمرها من القراء الأوفياء لكتاباتي، تقرأ لي بشغف وتشجعني على مواصلة الكتابة مهما كان حرفي بسيطا.
مجموعتي القصصية “على هامش صفحة” كانت شبيهة بولادة جديدة. أن يسافر حرفك من قارئ لآخر بعيدا عن رقابتك وشروحاتك فتستقبل آراء الآخرين وتعليقاتهم، لَهو فعلا إعلان عن بداية حياة جديدة تتصالح فيها روحك مع أرواح أخرى، هو باختصار أن يُسمع صوتك وتبني لنفسك جسرا جميلا نحو مدينة القراء على اختلاف مدنهم وانتماءاتهم وثقافاتهم.
أول إصدار كان بدار النشر “الكلمة” ثم “المثقف” بباتنة، لماذا هذا الترحال بين دور النشر، وهل وجدت صعوبات أو شروطا من طرف دور النشر؟
نعلم جميعنا أن أكبر مشكلة تواجه المبدع هي كيفية النشر والتوزيع، كيف يوصل المبدع إبداعاته إلى أكبر عدد من القراء، الأمر ليس سهلا إذا تعاملنا مع كتاباتنا على أنها سلعة لابد أن نسوق لها بأنفسنا. دار الكلمة للكاتب “عبد الكريم ينينة” كانت أول دار استقبلت مجموعتي القصصية “على هامش صفحة”، تمتاز بالجودة والإتقان والجدية في العمل، غير أنها دار تكتفي بالطبع دون التوزيع وهو الأمر الذي يضطر المبدع إلى أن يتحول إلى موزع، وبالتالي كان انتشار مجموعتي الأولى محدودا. اخترت دار المثقف بعد ذلك لما فيها من مزايا تشجع المبدع وتساعده على التوزيع، خاصة وأن الدار تعرض الكتب بمعرض الكتاب الدولي.
ما هو واقع الثقافة والمثقف على حد سواء محليا ووطنيا؟
واقع الثقافة في بلدنا مؤلم، الثقافة اليوم أصبحت مرتبطة فقط بمجموعة من الندوات أو اللقاءات السريعة، خصوصا تلك التي تجعل المبدع آخر اهتماماتها وإن كان شعارها تشجيع هذا الأخير في حين يظل المثقف يركض خلف البحث عن هوية حقيقية لهذه الثقافة ويجد نفسه يتأرجح بين عالمين، عالم أفلاطوني بمثله وكماله وعالمه الحقيقي المغاير تماما لما يصبو إليه.
لمن تقرأ فضيلة وبمن تأثرت؟
أقرأ لكل الكتاب دون تمييز، سواء كانوا معروفين أم لا، أحببت أسلوب طه حسين والمنفلوطي أيام المتوسطة، ثم بدأت بقراءة الروايات الجزائرية في الجامعة، كما أن حكايات ألف ليلة وليلة كانت وجبة دسمة لأخط أولى محاولاتي في القصة، أحببت لغة أحلام مستغانمي في فوضى الحواس وذاكرة الجسد، ثم اكتشفت أسلوب الروائي الحبيب السائح ففتنت بروايته “تلك المحبة” التي كانت موضوع رسالة الماجستير وغيره من الكتاب، مؤمنة أنا بأن النص الجيد يظل كذلك مهما طال به الزمن والعكس، فإن النصوص الرديئة يأفل نجمها مهما حاول صاحبها التشهير بها.
هناك موجة من الشباب اقتحمت المجال الأدبي سواء في القصة أو الرواية وغيرها، وفي ظل توفر دورالنشر الكل أصبح ينشر كتابا… هل هذا في صالح الثقافة أم ضدها ؟
ليكتب من أراد أن يكتب، لماذا كل هذه الثورة ضد من يكتبون أو يحاولون؟ الكُتّاب الكبار لم يكبروا هكذا فجأة، جلهم كانت لهم بدايات متواضعه وبسيطة وبعضهم كانت بداياته مخجلة أيضا، قوّمها النقد فيما بعد وملاحظات القراء المتميزين، في النهاية هناك حقيقة واحدة: “لن يبقى إلا النص الحقيقي الذي يستحق البقاء والبقية إلى زوال”.
كيف هي المقروئية اليوم في ظل التكنولوجيا والنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هو الجيل الأحسن هل جيل القراءة الورقية أم القراءة الإلكترونية وهل ساهمت هذه المواقع في الساحة الأدبية أم قتلتها؟
كنت نشرت مقالا بمجلة مسارب الإلكترونية بعنوان “الكتابة الرقمية، هدم أم بناء”، تحدثت فيه عن المقروئية اليوم في ظل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي التي لم يعد بإمكاننا تجاهلها أو رفض التعامل بها ومعها حتى وإن كنا من مناصري القراءة الورقية.
هذا عن المقروئية اليوم، أما مساهمتها في الساحة الأدبية فلا يمكن إنكارها رغم النقائص الموجودة فيها ورغم المبالغات التي قد تمنحها لنصوص لا تستحق، إلا أنها ساهمت وبشكل كبير في وصول نصوص كثيرة ما كان لها أن تظهر لولا هذه المواقع الإلكترونية.
كلمة أخيرة نختم بها هذا اللقاء وما هي النصيحة أو النداء الذي توجهينه ولمن؟
كلمتي الأخيرة التي أختم بها هذا الحوار الأدبي الجميل أوجهها أولا للكتاب المبتدئين الذين يبحثون عمن يأخذ بيدهم ويوجههم أقول لهم: “أكتبوا، لا تهمكم الانتقادات السلبية ممن لا يفقهون معنى الأدب الحقيقي، والإخفاق في مرحلة ما لا يعني التوقف أبدا بقدر ما يعني الإصرار على الاستمرار وتصحيح ما كان خاطئا”، وكلمتي الثانية هي للنقاد ، وأقصد منهم أولئك الذين لا يرون في العمل الإبداعي سوى الجوانب الناقصة متناسين أن المبدع شخص تكفيه كلمة تشجيع.
حاورها: سعيدي محمد أمين