قدمي نفسك للقراء الكرام؟
أتشرف بهذه الاستضافة الكريمة منكم ..نسيمة بن عبد الله كاتبة جزائرية، كتبت القصة منذ زمن بعيد وقبل كل هذا أنا أستاذة ومربية، منحت نصف عمري لتعليم أبنائنا، وأحمد الله وأشكره أن وفقني في هذا المشوار الطويل، من الرواشد (ميلة) إلى الجزائر العاصمة حاولت قدر ما أستطيع أن أغرس في تلاميذي حب اللغة العربية، حب الأدب العربي. كنت وما زلت أفتش بينهم عن المواهب كغواص يبحث عن لآلئ ثمينة .الآن أنا جد سعيدة أن بعض تلميذاتي يكتبن ويمخرن بأقلامهن عباب الكلمة. وكم أشعر بالأسى أن أقلاما صغيرة أشرفت عليها نالت جوائز وطنية وأخرى دولية لكن لم تواصل الكتابة لسبب أو لآخر. كم هي غنية مدرستنا بالمواهب الأدبية وغيرها. لو كان العمل على إخراجها إلى النور وصيانتها لغيرنا من وجه الوطن. فكلما انتشر الإبداع الجميل كان وجه الوطن جميلا.
كيف كانت بدايتك مع الحرف ووجع الكتابة؟
كأي طفلة كانت مولعة باللغة العربية أحبت تشكيل حروفها كلمات مختلفة.. كلمات طالعة من أعماقها الصغيرة في يوم ربيعي – وأنا في الثانية متوسط – أذكره كما اليوم، حملت كراسا وقلما وخرجت إلى حديقة بيتنا التي كانت مزركشة بالنعناع وأزهار شقائق النعمان وأنواع الورود ومختلف الأشجار. ارتميت على الحشيش ورحت أدبجُ نصا كان حوارا مسرحيا قصيرا يتحدث عن العفو والتسامح.
بعدها خربشت نصوصا شعرية وخواطر وحتى مقامات ثم جاءت القصة وأنا في الثانوية .كنت في داخلية ثانوية البنات كعولة تونس بجيجل وكانت مكتبتها زاخرة بالكتب فهمت بها. كنت كمن اشتد به العطش وفجأة وجد أمامه نبعا متفجرا فراح يغبُ منه ما استطاع دون توقف وكانت مكتبة المؤسسة الوطنية للكتاب بجيجل تأتي بكل جديد وطنيا وعربيا فكنت كلما سمحت لي الظروف بالخروج أقصدها مباشرة وأشتري منها ما أستطيع. تلك الأيام قرأت نجيب محفوظ، العقاد، طه حسين، مي زيادة وجبران خليل جبران والطاهر وطار وبن هدوقة وغيرهم وكانت مجلة الثقافة وأمال.. وكانت الصفحات الثقافية في جريدة الشعب، النصر، الجمهورية، أضواء ثم المساء فيما بعد.. كان الفضاء الثقافي مزهرا، يدفعك إلى أن تنهل وتنهل من مختلف الكتابات والإبداعات ويحرك فيك السواكن كلها. كنت أخربش لنفسي لكن صديقاتي اكتشفن الأمر، وهن اللواتي دفعن بي لتقديم نصوصي لكتاب جيجل (أعضاء اتحاد الكتاب الجزائريين) الذين أقاموا أمسية أدبية في ثانويتنا بمناسبة يوم العلم وفي نفس الوقت كانت فرصة لهم لاكتشاف المواهب الإبداعية بيننا نحن الطالبات. لم أتصور أنه بعد أسبوع نشر مراسل جريدة النصر عبد الحميد قليل عرضا عن الأمسية الأدبية متبوعا بملاحظات الكتاب على ما قدمنا لهم من خربشات .كانت فرحة الدنيا أن اسمي يزين جريدة النصر بكلام جميل قيل عن نصوصي الصغيرة. أحمد الله أن أكرمني بنعمة كبرى أن كنت أول كاتبة في بلدتي الرواشد. وأنا ممتنة ومدينة لكاتبين من جيجل ظلا يشجعانني زمنا طويلا: محمود بن مريومة ومحمد بن زيان وكذلك أستاذي بالمعهد التكنولوجي لجيجل: علي مهيبل والشاعر الفلسطيني ابن الشاطئ رحمه الله والذي قدم لمجموعتي القصصية الأولى: كلمات تحت الشمس.
ماذا تمثل لك الكتابة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه القراءة شيئا غريبا؟
عندما تكتب، أنت لا تفكر في القارئ.. إنك تحاول التحرر أو التخلص من عبء كبير جثم على صدرك: قد تكون فكرة أرقتك، قد يكون موقفا هزَك، قد تكون ثورة داخلية اشتدَ غليانها بذاتك، قد تكون قضية ما لابد أن تدافع عنها بحرفك وبدلا من أن تنسج تقريرا عنها تصوغ موقفك في قالب إبداعي جميل يكون شعرا أو قصة أو رواية أو…. القارئ هو أنت أولا.. هل ما كتبته عبَر عنك.. هل قالت كلماتك ما أردت أن تسمعه.. هل أقنعك قبل التفكير في إقناع الآخرين. ثم يأتي السؤال: هل وفرت البيئة الجميلة التي تغري القارئ أن يقترب من نصك ويتفاعل معك ولم لا يناقشك، وقد ينتقد ما كتبته .فكثيرون هم القراء الذين يحملون الحسَ النقدي ونظرتهم لما يقرأون أعمق من نظرة كثير من النقاد. الزمن يتغير.. نعم علينا أن نقرَ بذلك ولايمكننا أن نطلب من هذا الجيل أن يعيش زمننا أو زمن من سبقونا. تغيرت وسائل القراءة ومن الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني، ومن الدردشة في المقاهي إلى الدردشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن تبقى الغاية واحدة: التفاعل والتواصل مع الآخرين ومع ما نقرأ. نعم لم يبق للكتاب الورقي منزلته لكن نحن لم نعدم القراءة وإلا بما نفسر عشرات الكتاب الذين يطلعون كل يوم زنابق مبهجة؟؟!!
عرفي القراء بإصداراتك

الكتابة عند المرأة هي التحرر من شرنقة قد يكون المجتمع قد أحاطها بها . وفي جيلنا لم يكن سهلا خوض تجربة الكتابة خاصة سنوات العشرية السوداء وما سبقها من إرهاصات وما اكتنفها من تكفير لكل الناس وعُمل على تحويل نظرة المجتمع إلى المرأة من عضو فاعل إلى عضو ناقص عقلا ودينا وكلها عورة في حين أن ثورتنا وأدبيات الدولة الجزائرية بعد الاستقلال كانت تنحو نحو مجتمع حر يتساوى فيه الرجل والمرأة . رغم كل ذلك التضييق فإني ومجموعة من الكاتبات كـ: شهرزاد زاغز، زكية علال، حمامة العماري وغيرهن كثيرات حملن المشعل عن جميلة زنير وربيعة جلطي وزينب لعوج ولا ننسى فضيلة الفاروق التي برزت بقوة بعد روايتها: تاء الخجل. المؤسف أن الكثيرات منهن غادرن الساحة .لم يكن النشر لجيلي سهلا أبدا خاصة بعد غلق المؤسسة الوطنية للكتاب. ظهور الجاحظية ورابطة إبداع مع موجة الديموقراطية كان منفذا لنا فهاتان الجمعيتان الثقافيتان احتضنتا مواهب جيلي وقد كنت من الذين رحب بهم الروائي الطاهر وطار رحمه الله في الجاحظية . وقد صدرت لي المجموعة القصصية الأولى : كلمات تحت الشمس عن الجاحظية 1999م لما قرأ الروائي الطاهر وطار مجموعتي القصصية أنا القادمة من الجزائر العميقة قال: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر … )والحديث قياس).. كنت أتصور أنه سيختار مجموعة من النصوص ويهمل البقية ولكن كل النصوص القصصية ضمنها مجموعتي وهذا كان يعد نجاحا كبيرا بالنسبة لي، ثم نشرت بعد ذلك مجموعتي القصصية الثانية: حب في الكف عن اتحاد الكتاب الجزائريين سنة 2004، بعدها انقطعت عن الطبع لكن لم أنقطع عن الكتابة والنشر من حين لآخر في الجرائد الوطنية ( الشعب، النصر، المساء، السلام، صوت الأحرار…).
وكنت محررة بمجلة رسالة الأسرة للوزارة المنتدبة للأسرة وقضايا المرأة وأجريت حوارات عديدة مع مجاهدات جزائريات أصدرته الوزارة في كتاب الوفاء وقد أعيد نشرها بصياغة أخرى.
كما لم أنقطع عن المشاركة في الملتقيات الأدبية وقد تحصلت على العديد من التكريمات. عدت للطبع هذا العام بمجموعة قصصية قصيرة جدا: في الجيد لهب عن دار خيال للترجمة والنشر، وقريبا جدا ستصدر لي مجموعة قصصية أخرى.. قد لا أستطيع الحديث كثيرا عن كتاباتي المتواضعة ولكن يمكن القول أن في كتاباتي ذاكرة الوطن.. أحلام شهيد.. صرخة امرأة أرادت أن تكون حرة.. ولهيب حرف يحرق زيف واقع نعيشه…
ما رأيك بكل صراحة فيما يصدر عن المطابع حاليا؟
هناك فرق بين المطبعة ودار النشر، فالمطبعة مهمتها إصدار منشورات معينة دون إيلاء أهمية للمحتوى الذي يتكفل به صاحب المنشور، أما دار النشر فوظيفتها صناعة الكتاب وهذه الصناعة لابد أن يكون لها أهلها الذين يدركون قيمة الكتاب ويعون دوره ويحرصون على إخراجه في أبهى حلة مع إيلاء الأهمية الكبرى للمحتوى. أكذب لوقلت أنني اطلعت على ما يصدر كله أو نصفه أوثلثه أو أقل لأن هناك عشرات الكتب تصدر خلال السنة وتتواجد في وقت واحد في مكان واحد.
حركاتي لعمامرة