يشق أحد أعرق الفنون الشعبية في الجزائر، وهو “فن القول ورقصة الصف” الذي تشتهر به البيض جنوب غرب البلد، طريقه نحو العالمية من بوابة ملف يتم الإعداد له ويطمح إلى إدراجه في منظمة “اليونيسكو” كتراث عالمي لامادي.
وذكرت تقارير إعلامية أنه سيتم العمل على إعداد ملف خاص بهذا الموروث الثقافي والتراثي العريق الذي تشتهر به محافظة البيض، وذلك بالتنسيق والتعاون مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ لتصنيفه ضمن التراث العالمي اللامادي.
وتهدف الخطوة بالأساس إلى الحفاظ عليه ونقله للأجيال، حيث يشكل جزءا من الرصيد التراثي لمحافظة البيض والجنوب الغربي والجزائر عموما.
ولمعرفة تاريخ وجذور “فن القول ورقصة الصف” الذي يعتبر فنا شعبيا عريقا يمتد لقرون عديدة، إذ تؤديه النسوة في المناسبات والأفراح بمحافظة البيض التي تبعد حوالي 490 كلم جنوب غرب الجزائر العاصمة، كان لا بد من الاستفسار من الباحثين المطلعين بدقة على هذه الطبوع من الفنون الشعبية المحلية العريقة.
في هذا السياق، اعتبر الباحث في التراث الشعبي، خالد ياسين شهلال، أن “هذا الفن الشعبي نسوي بامتياز، تؤديه عصاميات بصورة جماعية وتندرج كلماته التي تجسد أهازيج شعبية من الموروث الجماعي للمنطقة”.
وأضاف قائلا: “تكون الأغاني مصحوبة بآلة البندير، وهي الدف التقليدي وترافقها الصف وهي رقصات جماعية”.
كما يرى شهلال في تصريحات لـ “العربية. نت”، أن كلمات “فن القول” تعود إلى “أبعاد تاريخية ودينية واجتماعية، وتلخص أوضاع الحياة التي كانت سائدة حينئذ، خاصة أن جهة البيض وما جاورها عرفت في القرن الـ19 محطات مهمة متعلقة بتاريخ المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي التي جسدتها معركة أولاد سيدي الشيخ ومقاومة الشيخ بوعمامة إلى غاية الثورة التحريرية”.
ومن المتعارف عليه أن محافظة البيض أنجبت العديد من فطاحلة الشعر الشعبي، بمن فيهم شاعرات نساء خلَّدن المنطقة بإبداعهن الأدبي الغزير على غرار الشاعرة فاطمة الشريفة التي تلقب بـ “المقرانية” أو “خنساء الجزائر” واشتهرت بقصيدة عصماء في رثاء زوجها “أحمد المقراني ولد العبّاسي”.
وحول تحليل مضمون “فن القول”، قال شهلال، إنه “رغم عدم التزامه بالقافية والوزن إلا أنه يعتبر أصل فن الملحون الذي هو شعر وقصيد منظوم وموزون”.
كما بيّن أن “رقصة الصف” تساير كلمات فن “القول” برقصة جماعية، وتعبير جسماني وعرض كوريغرافي.
وللحفاظ على هذا الموروث الفني العريق، تلعب عدة جمعيات محلية ناشطة في مجال “فن القول ورقصة الصف” دورا كبيرا في التعريف به والمحافظة عليه وحمايته من الزوال، من خلال جمع هذا التراث (جمع مقطوعات منه) مع تنظيم ندوات وأمسيات بمشاركة باحثين في هذا الفن الشعبي الذي يبقى يقاوم الزمن.
في هذا الصدد، أكد الباحث في التراث الشعبي، خالد ياسين شهلال، أن تفكير الجزائر في التوجه نحو إعداد ملف لتصنيف “فن القول ورقصة الصف” تراثا عالميا لاماديا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، “خطوة إيجابية للحفاظ على هذا التراث وغيره، مما يبرز التنوع الثقافي للبلد”.
للإشارة، فإنه سيتم إعداد ملف آخر خاص بهذا الموروث سيقدم لوزارة الثقافة والفنون، من أجل اقتراح إنشاء مهرجان محلي سنوي خاص بهذا الطابع الفني والثقافي الشعبي لولاية البيض للتعريف به والحفاظ عليه وتثمينه.
ب\ص