في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، ومع تصاعد المخاوف من محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، اجتمع القادة العرب في قمة طارئة بالقاهرة لمناقشة سبل مواجهة هذه التحديات ووضع خطة شاملة لإعادة إعمار القطاع.
وجاءت القمة، التي دعت إليها مصر بالتنسيق مع البحرين وبطلب من فلسطين، لتؤكد على الرفض القاطع لأي محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي في غزة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على حقوق الفلسطينيين في أرضهم. وأسفرت أعمال القمة عن تبني خطة عربية متكاملة تستهدف إعادة الإعمار دون تهجير، وسط دعم دولي واسع لموقف الدول العربية في حماية الشعب الفلسطيني وتعزيز فرص السلام العادل والدائم. حيث أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ختام القمة العربية الطارئة التي انعقدت بالقاهرة، تبني مشروع إعادة إعمار قطاع غزة مع التأكيد على بقاء الفلسطينيين في أرضهم، ورفض أي مخططات تهدف إلى تهجيرهم. وخلال كلمته الختامية، شدد السيسي على ضرورة تقديم بديل عملي وواقعي لمواجهة الخطط الرامية إلى تهجير الفلسطينيين، مشيرًا إلى الدعم العربي الكامل لهذه الرؤية.
رفض عربي قاطع لمخططات التهجير
عقدت القمة الطارئة بدعوة من مصر وبطلب من دولة فلسطين، بالتنسيق مع البحرين، التي تترأس حاليًا مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وجاءت كردّ مباشر على الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي سعت للترويج لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، وهو ما رفضته بشدة الدول العربية والمنظمات الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، قدمت مصر خطة عربية متكاملة تهدف إلى إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، خوفًا من تصفية القضية الفلسطينية. وتتضمن الخطة تشكيل لجنة مستقلة لإدارة غزة لمدة 6 أشهر، تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، لتمكينها من استعادة السيطرة على القطاع بشكل كامل. وأكدت الخطة المصرية على أن حل الدولتين هو المسار الوحيد المقبول دوليًا، مشددة على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، مع إدانة الجرائم التي ارتُكبت ضد المدنيين والمعاناة الإنسانية التي أفرزها العدوان. كما دعت الخطة إلى ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة هذه الأزمة من منظور إنساني في المقام الأول.
مواقف عربية ودولية موحدة
خلال مداخلاتهم، أعرب القادة العرب والمسؤولون الدوليون عن رفضهم القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو فصل غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية.
حيث أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن القضية الفلسطينية تواجه تحديات خطيرة، وفي مقدمتها محاولات تهجير الفلسطينيين من وطنهم، وهو ما وصفه بالخط الأحمر الذي لا يمكن القبول به. وبدوره شدد الملك عبد الله الثاني، على أن تهجير الفلسطينيين مرفوض تمامًا، مطالبًا بوضع خطة زمنية واضحة لإعادة إعمار غزة، يتم تقديمها للشركاء الدوليين لضمان دعمها. ومن جانبه، أكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن التمسك بمسار السلام الدائم والشامل هو السبيل الوحيد لضمان حقوق الفلسطينيين، مشددا على أهمية حل الدولتين وفقا للمبادرة العربية للسلام وقرارات الأمم المتحدة.
إجماع دولي على دعم الفلسطينيين
ومن جهته، قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن إعمار غزة لا يمكن أن يتم إلا ببقاء أهلها في أرضهم، مشيرًا إلى أن القمة تهدف إلى منع تكرار نكبة جديدة بحق الفلسطينيين، والتأكيد على حقهم في تقرير المصير. كما وصف الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، أي محاولة لترحيل الفلسطينيين بأنها جريمة حرب وتطهير عرقي يتعارض مع جميع القوانين والمواثيق الدولية، مطالبًا الدول العربية والإسلامية باتخاذ تدابير ملموسة لدعم الفلسطينيين. أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد ندد بالمعاناة غير المسبوقة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، محذرًا من كارثة إنسانية أشد قسوة في حال تنفيذ مخططات التهجير. وأضاف: “الشعب الفلسطيني له الحق في العيش بحرية على أرضه، ويجب أن تظل غزة جزءًا لا يتجزأ من دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة”. وفي السياق ذاته، أكد رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، أن الاتحاد الأوروبي يرفض بشكل قاطع أي محاولة لتغيير الطابع الديمغرافي لغزة، داعيا إلى احترام القوانين الدولية وضمان حقوق الفلسطينيين.
رسالة عربية موحدة: دعم فلسطين حتى التحرر
وخلصت القمة العربية إلى تبني موقف موحد يرفض كافة أشكال التهجير القسري للفلسطينيين، ويؤكد على ضرورة إعادة إعمار غزة بوجود سكانها، كجزء من الجهود الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل وفقا لمبدأ حل الدولتين. وشدد القادة العرب، على أن انتزاع الأرض من الفلسطينيين لن يؤدي إلا إلى مزيد من الصراعات وعدم الاستقرار، داعين المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته ودعم جهود إعادة الإعمار بما يضمن حق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة على أرضه.
إيمان عبروس