تعتلي “القشابية” صدارة الألبسة التراثية في الجزائر، والتي ارتبطت بالكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، ورغم أن “القشابية” لباس رجالي شتوي، لكنه مصنوع بأيادٍ نسائية من وبر الجمال وصوف الأغنام، ومنتشر بكثافة في الشتاء بالمحافظات الشرقية الجزائرية.
وعادة ما تغزل النساء لباس القشابية على المناسج الخشبية التقليدية، فيما باتت مؤخرا تصنع في معامل النسيج، كمدفأة للرجال في فصل الشتاء شديد البرودة.
وتبدأ مراحل حياكة القشابية بانتقاء وتنقية وغسل الوبر أو الصوف، ثم التجفيف والغزل لاستخراج خيوط النسيج، يليهما الحياكة والصباغة بين ألوان الأسود والأبيض والبني.
عودة إلى الأصالة
يفضل الكثير من الجزائريين عموما والأوراسيون على وجه الخصوص العودة إلى الأصالة والعادات الموروثة بارتداء “القشابية” كسلاح لمجابهة موجة البرد القارس التي تجتاح المنطقة غير آبهين بالأناقة الحديثة المستوردة وإغراءات الموضة.
وتعتبر “القشابية” بالنسبة لسكان منطقة باتنة بمثابة التقليد الراسخ الذي توارثوه عن أجدادهم، حيث أكد بعض المواطنين على تشبثهم بارتداء القشابية على الرغم من توفر كل أنواع الملابس العصرية لأن هذا اللباس التقليدي يمثل بالنسبة إليهم أحسن وسيلة تحميهم من برودة فصل الشتاء.
وتتنوع القشابية حسب الصنعة وحسب طريقة الطرز واختيار نوع الوبر، حيث يذكر عدد من الخياطين أن ثمن القشابية قد يصل إلى 10 ملايين سنتيم، أما البرنوس فيبلغ سعره الـ 15 مليون، وهو ما يكسبه بذلك لقب أغلى لباس عربي.
ثورية “القشابية”
وارتبط لباس القشابية بالثورة التحريرية، إذ كان لباس الثوار في المدن والجبال والقرى، كما كان مخبأ للأسلحة التي نفذت بها العمليات الفدائية إبّان الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ويرى الباحثون في التراث الجزائري، أنّ “القشابية جزء من الصناعة التقليدية النسيجية، التي كانت رائجة خلال الفترات القديمة والحضارات الإسلامية، كما أن النسيج مادة عضوية يصعب العثور على بقاياها التي تعود لتلك الحقب القديمة، لا سيما قبل الحضارات الإسلامية.
هذا، وازدهرت صناعة القشابية في المناطق الصحراوية الرعوية بالجزائر، حيث برودة الطقس وانتشار رعاة الأغنام، ويوجد منها القصير والطويل.
وبشأن مراحل صناعة القشابية، يقول الباحثون إنها تبدأ بانتقاء ومعالجة الصوف أو الوبر الخاص بصغار الجمال، ثم تمريره على آلة “السبراق” (المشط) حتى يلين، ومنها إلى آلة “الخدّام” ليتحول إلى قطع صغيرة، يسهل غزلها لاستخراج الخيوط وتصفيفها عموديا على المناسج التقليدية، انتهاءً بمرحلة الحياكة.
وذكر أنه تم العثور على قشابيات قصيرة في سجن سركاجي أثناء عملية جرد مقتنياته ليتحول إلى متحف عام 2016، إذ استخدمتها فرنسا لتمييز عملائها (الخونة) من المجاهدين الجزائريين خلال الفترة الاستعمارية.
تتحدى الموضة
والقشابية لباس تراثي يرتديه الجزائريون من الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية المختلفة، ويسجل حضوره بقوة في مواجهة اختلاف موضة الأزياء في البلاد.
وحتى الآن يظل التجار المتنقلون يفضلون ارتداء القشابية، لأنها تضمن الدفء وتقاوم البرد الشديد في فصل الشتاء بالجزائر.
أنواع حسب الرغبة
كما أوضح أحد الخياطين أن هناك عدة أنواع للقشابية منها “ملف” الذي يرتديه في الغالب الكهول والشيوخ و”الكاشمير” الذي يفضله الشباب، إلا أن أفضل قشابية تكون مصنوعة من وبر الجمل، حيث يتراوح ثمن القشابية المصنوعة من الوبر ما بين 6000 دج إلى 45 ألف دج.
وتتراوح مدة الحصول على القشابية من شهر إلى غاية سنة حسب شغل كل امرأة، فمن بينها من تعتمد على المنسج وتكون أشغال البيت مرافقة لها، وبمساعدة نساء أخريات تساعد في عملية النسج، وتأتي مرحلة الخياطة حيث يقوم الخياط بخياطة النسيج المتحصل عليه من طرف المرأة المتمكنة ويبقى عليه، حسب طلب الزبون أحيانا، طرز خيوط واجهة القشابية.
ق. م





