وجودهم ما زال يخلق أجواء مميزة

“القرقابو” “الغيتارة” والرسم.. ظاهرها متعة وهدفها الاسترزاق

“القرقابو” “الغيتارة” والرسم.. ظاهرها متعة وهدفها الاسترزاق

بعيدا عن أشكال التسول التي باتت تشوه صورة العاصمة الجزائرية، امتنع شباب آخر من بسط يده ومدَها إلى الغير ليعطوه مرة ويمنعون عنه مرات أخرى، حيث استحدثوا طرقا خاصة بهم، أغنتهم عن شر الحاجة والحصول على المال بطريقة مذلة، وذلك من خلال ابتكارهم لوسائل حديثة على الأقل داخل المجتمع الجزائري الذي لم يكن قط يعرفها وتحديدا وسط الأماكن عمومية التي تكثر فيها الحركة، حيث تمثلت هذه الأساليب الجديدة في العزف على الغيتار واستعراض بعض من الأغاني والرقصات التقليدية “القرقابو” فضلا عن رسم صور للمارة.

 

الحاجة تولد لوحات إبداعية

لطالما قيل أن “الحاجة أم الاختراع” وفعلا، قد دفعت الحاجة بالكثير من الأشخاص خاصة الشباب منهم لخلق فرص عمل بأنفسهم ولأنفسهم، يكسبون بها لقمة عيشهم بدل إذلال أنفسهم، فمن خلال الجولة الميدانية التي قامت بها طاقم “الموعد اليومي” إلى بعض شوارع العاصمة والتي يحط عندها هؤلاء الشباب ترحالهم من أجل عرض متاعهم على غرار ساحة أودان، وشارع عميروش أين التقينا بشباب تولد عنده الإبداع من جراء الحرمان الذي عانى منه، حيث نسجت الأقدار حكايات مختلفة مع نشاطات مختلفة اشتركت في كونها نشاطات خلاقة.

 

الرسم على الطرقات ملاذ الذي لا عمل له

وفي هذا الشأن تحدثنا إلى رفيق، الشاب الذي طرق باب الثلاثين، والذي اتخذ من قلم الرصاص والورق الأبيض رفيقان له في مهنة تغنيه سؤال الناس فكما جاء على لسانه: “أنا أرسم منذ سنوات، فبالرغم من شهادتي الجامعية غير أنني لم أتمكن من الحصول على وظيفة ولا حتى على فرصة لعرض رسوماتي، فقررت أن أشتغل كرسام في الشارع مثل ما هو متعارف عليه في الدول الأوروبية كمهنة مؤقتة لي عوض اللجوء إلى مسالك أخرى لا يحمد عقباها” وأضاف رفيق قائلا :”صحيح أني فقير وأحتاج للمال ولكن درهم حلال أجمعه بعرقي ولا الاستلقاء على الجدران”. يقوم رفيق يرسم لوحاته بقلم الرصاص من خلال صورة فوتوغرافية يحضرها الراغب في رسمه إليه أو من خلال حضوره شخصيا ليقوم رفيق بأصابع سريعة وعلى الورقة البيضاء التي تختلف أحجامها وتتنوع حسب سعر كل واحدة وحسب الأدوات المستعملة في رسمها بالتفنن في نقل ما تراه العين المجردة ليخرج عمله للعيان في نهايته كأنها صورة فوتوغرافية من الطراز القديم أبدعت في رسمها أيادي شاب جزائري يدعى رفيق.

 

“القرقابو” بين الاسترزاق والفرجة

أما فرقة الـ”قرقابو” التي كانت تستعرض موسيقاها في شارع عميروش بالعاصمة والتي كانت تصاحبها برقصات فلكلورية على مرأى من الناس المار صنعت الفرجة والمتعة في آن واحد، فالطريق التي عبرت منها الفرقة التي كانت متكونة من شخصين كل واحد وآلته التقليدية امتلأت على آخرها بالفضوليين الذين لم يريدوا أن يفوتوا فرصة الاستمتاع والفرجة خاصة وأن الفرقة عرفت كيف تجذب الأنظار إليها، فبالإضافة إلى النمط الموسيقي التقليدي التي كانت تؤدي فيه أبت إلا أن يكون اللباس التقليدي الخاص بالمنطقة التي ينتمون أليها حاضرا وهو ما زاد من كثافة عاشقي هذا النوع الموسيقي. فبعد حاولي أكثر من نصف ساعة من الأداء، اغتنمت “الموعد اليومي” فرصة استراحة الشابين ودنت منهما لمعرفة شعورهما وهما يستعرضان موهبتهما على المارة، فكان الحديث مع “عبد القادر” الشاب الذي يجمع في وجهه بين سمرة وقساوة طبيعة الصحراء الشامخة والذي أيضا لا يخلو وجهه من الطيبة والوقار، حيث أفصح لنا على أن عزف وغناء هذا النمط التقليدي المعروف عند الشعب الجزائري بـ” القرقابو” كان في بدايته من المنطقة التي ينتمي إليها بحكم أن بعضا من أفراد أهله يعشقون ويرددون الغناء التقليدي وهو ما اعتبره عبد القادر حب بالتوارث أبا عن جد.

و عن استعراضهم لمثل هذا النوع الغنائي التقليدي إلى العاصمة تحديدا، قال عبد القادر، بأن وفضلا عن التهميش الذي نعانيه نحن الشباب خاصة القاطنين في المناطق النائية من عدم وجود فرص للعمل لذا نقلنا ما توارثناه إلى العاصمة من أجل ربح المال حتى وإن كان قليلا لأننا في الغالب لا نجبر المتفرجين علينا بأن يدفعوا المال لنا ولكن من دفع لنا فلن نقول له لا وأيضا هي فرصتنا من أجل التعريف بتقاليدنا من خلال ملابسنا ولهجتنا وآلات موسيقانا التقليدية. وأضاف محدثنا في آخر كلامه إلينا أن المال الذي يكسبه ورفيقه خلال الاستعراض في الشوارع وعلى الأرصفة يقومان بصرفها على المبيت في الفندق وكذلك على أكلهما وبالتالي لا يكفي للادخار.

 

المواطن الجزائري يستحسن و”خدام الرجال سيدهم”

أبدى المواطن الجزائري استحسانا كبيرا جراء انتشار هذه الظاهرة التي تعيد حسبه الوجه المشرق لحقيقة الشعب الجزائري بجميع فئاته، حيث اجتمعوا جلهم على أنه لا يهم نوع العمل أو الوسيلة التي يتم بمقتضاها التعريف بالعمل بقدر ما يهم أن يكون العمل شريفا مقبولا عند الرب والعبد معا، حيث قالت سوسن في هذا الشأن أن لكل واحد منا طريقته الخاصة للتعريف بعمله أو بموهبته خاصة في ظل غياب الفرص، وهذا أمر جميل للغاية فبدل ان يمد الشاب يده للغير يسعى جاهدا لكسب لقمة يومه بنفسه. أما مراد الذي التقينا به بساحة أودان فلم يكن رأيه مخالفا لرأي سوسن، حيث قال أنه يفضل أن يرى رساما أو عازفا في الطريق وفي عز الضوء يجود على الناس ويزرع في نفوسهم البهجة والراحة على أن يسمع بشاب سارق حتى ولو في عز الليل ينشر الرعب والخوف في قلوب الناس فكما جاء على لسانه: “على الأقل هي مهنة شريفة حتى ولو كانت تتطلب جرأة لأننا غير معتادين على مثل هذه الظواهر في الشوارع غير أنها وهو الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان تحفظ مكانة المبدع الشاب الذي لم يلقى حلا آخر غير هذه الطريقة” فبكل اختصار “خدام الرجال سيدهم” بالرغم من اختلاف العمل وتعدد وسائله.

ق .م