مع كثرة ضغوط الحياة على الإنسان، وتفاقم الأزمات، وتتابع البلاء؛ يفقد بعض الناس توازنه، وتتسلط الشيطان على أفكاره وآرائه، فتحرفه من حالة الرضا عن الله تعالى إلى حالة السخط، وتنقله من الصبر إلى الجزع. وربما جاوز ذلك فانفتل من الإيمان إلى الشك والجحود، والاعتراض على القدر، والسخرية به، فيوبق نفسه في الآخرة، ولم ينل بسخطه وشكه واعتراضه وجحوده شيئا من الدنيا، بل قد يفقد المزيد منها؛ عقوبة من الله تعالى له على عدم صبره في البلاء، وسخطه من القدر والقضاء. وحِكَم الله تعالى في أقضيته وأقداره لا يحيط بها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والقدر سرُّ الله تعالى في خلقه، وقد أعجزهم سبحانه به.
ولكي يحصن المؤمن نفسه من السقوط في هذه الأودية المهلكة؛ فإنه لا بد أن يتذكر نعم الله تعالى عليه فيما مضى من حياته، وفيما يعيش من حاضره، فإنه سيجد نعما لا تحصى من كثرتها، ولا تقدر بمقدار من عظمتها، في مقابل ابتلاءات معدودة محدودة سرعان ما يكشفها الله تعالى، أو ينزل معونته سبحانه على عبده إذا صبر؛ ليتعايش معها ويألفها، والنصر في الحرب صبر ساعة، والصبر في البلاء عند الصدمة الأولى. وفي تذكير المؤمنين بنعمة الإيمان التي هي أفخم النعم وأعظمها وأجلها وأنفعها قول الله تعالى ” اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ” الحجرات: 17.
وفي التذكير بنعمة بعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى ” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” آل عمران: 164. لنعلم أن ما نعيشه من طمأنينة الإيمان وسكينته وربيعه نعمة من الله تعالى، ولو بقيت وحدها للعبد وفقد أهله وماله وولده والدنيا كلها لكان بقاء إيمانه نعمة لا تقدر بثمن، فكيف إذا استحضر العبد أن الله تعالى إنما يبتليه ببعض البلاء، ويمسه بشيء من الضراء؛ ليكفر سيئاته، ويرفع درجاته، ويدله على مرضاته، وينبهه من غفلته، ويعيده عن صبوته. فالابتلاء للمؤمن نعمة إن صبر واحتسب، وهذه النعم العظيمة تستوجب تذكُّرها باستمرار، والتذكير بها، وشكر الله تعالى عليها.