يتوقع الكثير أن المحظوظ من الناس هو ذلك الإنسان الذي كثُر ماله، أو علا منصبه، أو تعددت علاقاته، أو ارتقى نسبه، أو عظمت وظيفته، أو صفت معيشته، أو تحققت آماله، أو تيسـرت أمانيه، أو دامت أفراحه، والحقيقة أن هذا غير صحيح على وجه الإطلاق. فالـمحظوظ الحقيقي من هو الذي وفقه الله سبحانه وتعالى لعبادته على علم وبصيرة، وهو الذي يخاف الله جل جلاله ويراقبه في قوله وعمله ونيته، وسـره وعلانيته. والمحظوظ الحقيقي من علِمَ وأيقن أن عزَّه وشـرفه لا يكون إلا بطاعة الله تعالى، والتزام شـريعته، والتمسك بأوامره سبحانه والبعد عن نواهيه، والتحلي في كل جوانب الحياة بهدي الدين القويم؛ قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” الأحزاب: 70، 71.
المحظوظ الحقيقي من دفع السيئةَ بالحسنة؛ وقابل الإساءة بالإحسان؛ لأن هذا باب عظيم من أبواب دحـر الشيطان ومكره، والقضاء على العداوات والخصومات؛ قال سبحانه: ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” فصلت: 34، 35. المحظوظ الحقيقي هو صاحب القلب الكبير، الذي يعفو عمن ظلمه، ويتجاوز عمن أخطأ عليه، ويصبر على أذى إخوانه وجيرانه ومن حوله، ويلتمس لهم العذر، فلا يحمل في نفسه عليهم حقدًا ولا حسدًا ولا كراهية؛ لأنه من الصابرين الصادقين المتواضعين الذين غسلوا قلوبهم من الأدران والأحقاد؛ فكانوا بفضل الله تعالى وكرمه من أصحاب الحظ العظيم. المحظوظ الحقيقي هو من وفقه الرب سبحانه للعمل الصالح وقبضه عليه؛ فتكون خاتمته حسنةً وحظه عظيمًا؛ جاء عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته ثم يقبضه عليه” رواه الإمام أحمد.
موقع إسلام أون لاين