شهد المسرح العربي خلال سنة 2018 تطورا هاما خاصة من حيث عدد الأعمال المقدمة، ودخول مسارح جديدة إلى دائرة الفعل المسرحي المؤسس، مثل المسرح الخليجي، وعودة الألق إلى المسرح المصري، بعد
غرقه سابقا في التجارية، ويبقى العنوان البارز هو الحضور اللافت للمسرح التونسي والمغربي والسوري، وهي مسارح تعتبر الأكثر عراقة عربيا. وساهمت في هذا الحراك المسرحي عوامل عديدة لعل أبرزها وفرة المهرجانات واهتمامها بالتجديد النوعي.
أما من البلدان العربية الأخرى، فقد تميز، من بين ما يزيد على 600 عرض مسرحي، نحو 50 عرضا لمخرجين ومخرجات من سوريا والعراق والأردن ولبنان ومصر والمغرب والإمارات والبحرين وفلسطين.
ومن العروض التي تميزت هذا العام أيضا المسرحيات الإماراتية “غصة عبور” لمحمد العامري، “الذاكرة والخوف” لسعيد الهرش، والعرضين الفلسطينيين “مروّح ع فلسطين” للبرتغالية ميكائيلا ميراندا، و”من قتل أسمهان” لنزار زعبي.
تفوق تونسي
يستكمل الثنائي فاضل الجعايبي وجليلة بكار، بعرض مسرحية “خوف”، إنتاج المسرح الوطني التونسي، وأداء فاطمة بن سعيدان ونعمان حمدة ولبنى مليكة ومروى المناعي وغيرهم، ثلاثية ما آل إليه واقع المُجتمع في تونس بعد الثورة، وقد كان العرض الأول بعنوان “تسونامي” (2013)، والثاني بعنوان “عُنف” (2015).
من عمق الصحراء تهبّ عواصف رملية تغزو البلد وتدفن المباني والعباد تحت كثبان الرّمال. مخيّم كشّافة صغار يرافقهم قدماء ينجو منهم عشرة من الهلاك فيحتمون بأطلال مستشفى مهجور فارّين من خطر الموت، لكن مصيرهم يتغير بعد تلاشي قيم التآخي والتضامن، وبعد طغيان الجوع والعطش.
ورصد الجعايبي وبكار في هذا العرض انسداد الأفق، والهلع الذي أصاب التونسيين بعد صعود الإسلاميين، الذين استباحوا تونس، حيث لا نرى على المسرح إلا شخصيات مشوهة متصارعة.
أما المخرج عماد المي فقد عمد إلى تشريح أفكار خلناها تحظى بهالة من القداسة والفهم الواحد والمعنى الواحد، مثل فكرة الحقوق وفكرة الوطن والبيانات والمواثيق الرسمية التي اعتقدنا لسنوات طويلة أنها غير قابلة للشرح والتفسير والتأويل.
وقد فاز العرض التونسي بالجائزة الذهبية لمهرجان الأردن المسرحي في نوفمبر الماضي. كما فاز عرض “ذاكرة قصيرة” للمخرج التونسي وحيد العجمي بجائزة أفضل عمل متكامل من مهرجان أيام قرطاج المسرحية الذي أسدل الستار على دورته العشرين.
ومن العروض التونسية الهامة كذلك نجد مسرحية “فريدم هاوس” نص وإخراج الشاذلي العرفاوي وتمثيل كل من محمد حسين قريع وشاكرة الرماح ومنى التلمودي وعبد القادر بن سعيد وشكيب الرمضاني ومنصف بن مسعود.
ومن العروض البارزة هذا العام كذلك مسرحية “وهم” من إعداد وإخراج روجيه عسّاف، وتتحدث عن الحب بلا مواربة، طارحة مجموعة من الأسئلة الصعبة من خلال أربعة أصدقاء، ثم تتوالى المفاجآت بعد ذلك.
قصة العرض تجريبية أرادها صاحب النص الأصلي، المخرج والكاتب والممثل الروسي إيفان فيريبايف، قصة تخلط المباشر الواقعي بالمتخيّل والمتذكّر.
المسرحية، مستوحاة من التراجيديات اليونانية، ويقدّمها عساف بكتابة جديدة تتناسب مع الزمن الذي نعيشه، وكان قد قال في مقابلة سابقة لـ “الجمهورية”، إنّ “المسرح اليوناني غنيّ بشكل يناسب كلَّ الظروف، خصوصا هذا الموضوع بالذات”.
مسرح اجتماعي
من العروض الهامة كذلك نجد العرض السوري “امرأة وحيدة” المأخوذ عن نص عالمي لداريو فو وفرانكا راما، والذي سبق وأن قدّم على منصة المسرح السوري عام 2010 من إخراج الفنانة السورية أمل عمران وأداء الممثلة ناندا محمد.
واقع الأوطان
كما قدم المخرج العراقي عماد محمد عرض مسرحية “رائحة حرب” على مسرح السلام في القاهرة، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر.
وتطرح المسرحية فكرة الالتباس السياسي والديني والاجتماعي في المجتمع العراقي والعربي، وما حدث لاحقا من حروب وتطرف وإرهاب جاءت نتيجة لهذا الالتباس. بمعنى أن كاتبيها التقطا فكرة الالتباس فقط من الرواية، وتجاوزا كل التفاصيل التي تسردها، باستثناء ما يتعلق بحادثة قتل الجدّ لزميل له في الجيش.
ومن العروض التي تعالج الواقع العربي أيضا العرض المسرحي التونسي الكندي “الشقف”، الذي يتناول قضية الهجرة.
يدور عرض “الشقف” وكلمة الشقف تعني باللهجة التونسية الدارجة المركب البائس، فوق قارب صغير تتقاذفه الأمواج في رحلة بحرية خطيرة، يلخص ثمانية أفراد عرب وأفارقة خلالها الأوضاع الدامية والقمعية التي تتهددهم في بلدهم، لتبدو هجرتهم غير الشرعية فرارا من اغتيال معنوي باتجاه ضفة موت آخر.
العمل كان حلما للمسرحي والمخرج التونسي عز الدين قنون بأن يقدم مسرحية تتناول قضايا اللاجئين والمهاجرين بما تحمله من حكايات ثرية مشحونة بالآلام والآمال والخلفيات الإنسانية والمجتمعية الحاشدة، وعلى الرغم من أن الموت لم يمهله برحيله في عام 2015، فإن حلمه قد تحقق ورأى النور من خلال عرض “الشقف”، من تأليف وإخراج ابنته سيرين قنون، واللبناني الكندي مجدي أبومطر. ومن المسرحيات الهامة كذلك نجد مسرحية “الذاكرة والخوف” للإماراتي سعيد الهرش التي فازت بجائزة أفضل عرض متكامل، وبجائزة أفضل ممثلة، (لبنى حسن) وجائزة أفضل ممثل (محمد جمعة علي) وجائزتي أفضل “سينوغرافيا” و”إخراج” (سعيد الهرش).
مسرحية “الذاكرة والخوف” للمخرج سعيد الهرش، هي نص معد من مسرحية “الملك لير” للكاتب الإنكليزي وليم شكسبير. والمسرحية هي قصة ملك يقرر بعد أن تقدم به العمر وأصبح في حدود الثمانين أن يقسم مملكته بين بناته الثلاث، وأن يعطي لكل واحدة منهن بمقدار حبها له.
خلال ذلك يجد المشاهد نفسه أمام وطن يستهان به من حاكمه فيورّثه إلى بنتيه، فيما ترفض الثالثة مؤكدة أن الوطن لا يقبل التقسيم.
ق/ث