الفنان حسان كرشاش يفتح قلبه لـ “الموعد اليومي”:* لهذا السبب رفضت الأعمال التي عرضت علي مؤخرا.. الساحة الفنية حاليا تحمل استفزازا فنيا كبيرا.. صعب أن تعود “الفهامة” بنفس قوتها مثل السابق

elmaouid

كانت إطلالته البارزة في مجال الفن من خلال حصة “الفهامة”، التي فتحت له الباب لخوض تجارب أخرى في عدة أعمال تنوعت بين مسلسلات وأفلام وسيتكوم واشتهر عبرها بتجسيده لأدوار تمثل شخصيات مختلفة،

كما كانت له تجربة في تقديم حصص خاصة بالأطفال قبل أن يختفي عن الساحة الفنية مؤخرا لأسباب خارجة عن نطاقه جعلته يعتذر من جمهوره قائلا: “وداعا جمهوري العزيز أحبك وسامحني” دون أن يعتبر ذلك إشارة لاعتزاله الفن، بل تعبيرا منه عن غضبه مما يحدث في الساحة الفنية.

فعن هذا الأمر وعن تجربته في “الفهامة” وأمور فنية أخرى، تحدث حسان كرشاش لـ “الموعد اليومي” في هذا الحوار الصريح.

 

* بعد مسيرة فنية حافلة بالنجاحات ورغم أنك لازلت قادرا على تقديم المزيد من الأعمال إلا أنك قررت الانسحاب، لماذا؟

** لم اعتزل الفن، بل أنا غاضب مما يحدث في الساحة الفنية الجزائرية اليوم وسياسة المحسوبية والعشائرية في توظيف الفنانين، واعتذر لجمهوري الذي لم يعد يراني مثلما كان يحدث في السابق، فمنذ ثلاث سنوات تقريبا والتلفزيون الجزائري والتلفزيونات الخاصة باتت تعتمد على سياسة “هذا ليا وهذا منا وهذا يأتي بهذا” للأسف، لكن لن يدفعني ذلك لاعتزال الفن لأنني قادر على مواصلة المشوار وتقديم المزيد.

 

* برنامج “الفهامة” صنع نجوميتك، كيف ترى هذه التجربة؟

** حقا “الفهامة” هي المحطة التي فتحت لي الأبواب في مجال الفن على مصراعيها، رغم أن بدايتي الفنية كانت قبلها، والفهامة وفي ظرف زمني قصير وطيلة عشرية كاملة استطاعت أن تحتل المراكز الأولى في التلفزيون الجزائري في مجال البرامج الفكاهية. وبكل تواضع الفهامة تعتبر مدرستي الابتدائية التي قدمتني للجمهور وسمحت لي بالبروز فنيا.

 

* لكن “الفهامة” ورغم نجاحها في استقطاب المشاهدين توقفت دون سابق إنذار… 

** حصل ذلك في الفترة التي حدث فيها تغيير على مستوى إدارة التلفزيون، فتغيرت معه النظرة إلى البرامج المقترحة على المشاهد فتوقفت الفهامة لفترة، لتعاود الظهور مرة ثانية لكن عبر قناة الجزائرية. وبصراحة التجربة الأم كانت أفضل بكثير، وبعدها توقفت بسبب ابتعاد عدة عناصر عنها.

 

* منتج “الفهامة” يعلن في كل مرة عن عودة البرنامج لكن لحد الآن لم يحدث ذلك. في رأيك أين يكمن الخلل؟

** منتج البرنامج حقيقة كان في كل مرة يعلن عن عودة الفهامة لجمهورها بسبب الوعود التي تلقاها من طرف عدة جهات، لكن للأسف هذه الوعود ظلت كلاما وفقط.

وخلافا لما كان عليه في السابق بات القائمون على القنوات التلفزيونية يطالبونه بتوفير ممول للبرنامج مقابل بثه. واعتقد أن عودة “الفهامة” بالشكل الذي صنع مجدها صعب للغاية في ظل غياب نجومها أمثال الراحل الشيخ عطا الله وأسماء أخرى اختارت أن تواصل مسيرتها وتصنع لنفسها اسما بعيدا عن الفهامة..

 

* أعلنت عن عدم عودتك للفهامة بسبب رحيل الشيخ عطا الله رحمه الله، هل لازلت متمسكا بموقفك؟

** أكيد.. عندما ينقص عنصر واحد من حصة الفهامة كـ “الملح الذي ينقص من الطعام فتنقص بنته”، وليس رحيل عطا الله وحده، بل الأمر يتعلق بالمجموعة كلها لأن كل عنصر في الفهامة له جمهوره.

 

*الكثير من المنتجين هم حاليا بصدد التحضير لأعمال رمضان. هل تلقيت عرضا من أحد هؤلاء؟

** نعم، لقد تلقيت بعض العروض لكنها ليست كبيرة، وتتمثل في تنشيط الحصص الفنية، وقد رفضتها كلها لأنه لا يعقل بعد هذا المشوار الطويل والأعمال الفنية التي قدمتها أن أعود إلى نقطة الصفر.

 

* سبق لك وأن صرحت أن الأعمال الفنية الحالية دون المستوى وبعيدة عن الاحترافية والموضوعية…

** نعم صرحت بذلك في العديد من المناسبات، حيث شددت على أن ذلك راجع لعدم وجود مراقبة في التلفزيون العمومي أو القنوات الخاصة، وإذا وجدت فهي مراقبة سطحية، ولكي تعرف هذه الأعمال الفنية مستوى أفضل لابد أن تعود الأمور إلى نصابها ويرجع الميدان الفني لأهله، ففي هذه الحالة فقط يمكن أن تتحسن أحوال الفن في بلادنا.

 

* في الآونة الأخيرة أصبحت أغلب الأعمال الفنية التي تحمل بصمات تونسية

وسورية وحتى مصرية في وقت أحيل جزائريون معروفون على التقاعد أو على البطالة بسبب التقشف، ما قولك؟

** نحن اليوم وفي ظل التقشف أصبحنا نستعين بفريق عمل تونسي أو سوري

أو مصري ومؤخرا تركي، لا بأس في هذا التنوع وشيء جميل أن تحتك الكفاءات الجزائرية مع هؤلاء، لكن أرفض أن تكون البصمة الأجنبية أو العربية في الأفكار التي تحملها الأعمال الفنية الوطنية، فهذا غير مقبول. كما أن المخرج التونسي أو السوري أو المصري لا يملك أدوات بلوغ قلوب المشاهد الجزائري مثل تلك التي يملكها المخرج الجزائري، وهناك شباب من الجيل الجديد في مختلف المجالات الفنية يتمتع بطاقات كبيرة ينتظر فقط من يلتفت إليه ويمنحه فرصا أكثر للعمل وإثبات الوجود بفضل إبداعه.

 

* كانت لك تجربة في تقديم برامج خاصة بالأطفال لكنها لم تستمر، لماذا؟

** حلمي منذ الصغر أن أقدم حصة خاصة بالأطفال، ولا زال هذا الحلم يراودني إلى حد الآن، وقد سبق لي أن قدمت برنامجين خاصين بهذه الشريحة على قناة الجزائرية، ولكن للأسف الشديد أن هاتين التجربتين لم تستمرا وتوقفتا بسبب عدم وجود ممول لهما. ومعروف عن الممولين أنهم يفضلون تمويل الحصص الفنية خاصة التي تهتم بالغناء والرقص بدل الحصص التي تهتم بالأطفال بحجة أنها لا تحظى بمتابعة كبيرة، لذا لا يغامرون في تمويلها.

 

* ما رأيك في الجيل الجديد الذي اقتحم ميدان التمثيل مؤخرا؟

** الجيل الجديد من الممثلين من حقه أن يظهر ويعمل ويبرز مثل الجيل الذي سبقه، فنحن أيضا كنا في وقت سابق من الجيل الجديد وأصبحنا الآن ضمن خانة الجيل القديم.

لكن لابد أن نشير إلى أنه ومع ظهور الوسائل التكنولوجية الحديثة المتمثلة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك واليوتيوب، أصبحت القنوات التلفزيونية الجديدة تستعين بالشباب الذين ربما لا يملكون تجربة في الميدان، لكنهم يملكون طاقة إيجابية جدا، وهناك فئة أخرى لا علاقة لها بالفن لكنها تملك بعض النفوذ من أصدقاء داخل القنوات التلفزيونية أو مؤسسات الإنتاج،ما سمح لها بالبروز العبثي في عدد من الأعمال الفنية.

 

* وهل حقا أن الساحة الفنية يتحكم فيها الدخلاء؟

** يتصور الكثيرون أن الفن مكسب للمال، وهو منطق ينطبق على التاجر الذي يبحث عن الطرق التي تسمح له بكسب المال وفقط حتى لو تعلق الأمر بالفن. وهناك دخلاء كثيرون عن الفن ظهروا في صورة عبر التلفزيون أو ومضة إشهارية ليتحولون بقدرة قادر إلى فنانين كبار على حد زعمهم واعتقادهم.

وهناك أيضا أشخاص كانوا يمتهنون الإنتاج ليصبحوا بعد ذلك فنانين يمارسون التمثيل، وهذا أمر مؤسف وأتمنى أن تعود المياه إلى مجراها الطبيعي في أقرب الآجال.

 

* ألا ترى أن ابتعاد المحترفين والمبدعين الحقيقيين من الفنانين عن ممارسة الفن سمح لهؤلاء الدخلاء بأن يصولون ويجولون؟

** أكيد وهو تحصيل حاصل عندما نترك المجال لأمثال هؤلاء الذين يرون أنفسهم هم الأفضل والأحسن فنيا بعدما وجدوا أنفسهم وحدهم في الساحة في غياب أو تغييب المحترفين.

ويؤسفني القول إن الساحة الفنية اليوم تحمل الكثير من الاستفزاز الحاد، ويظهر ذلك من خلال استعمال كلام رديء في أغلب الأعمال الفنية الحالية التي أصبحت لا تراعي خصوصيات مجتمعنا بتقاليده وثقافته وسمو الأخلاق والتربية.

والساحة الفنية حاليا أصبحت تعج بكل من هب ودب، وهؤلاء للأسف يرون أنفسهم هم الأفضل والأوائل، والمثل الشعبي عندنا يقول “الجديد حبو والقديم لا تفرط فيه”، لكن الآن يحدث العكس “القديم فرطنا فيه والجديد عظمناه”، وحان الوقت أن تتغير هذه الأوضاع بعودة الفن إلى أيادٍ أمينة تحافظ على نبله ورسالته في خدمة المجتمع.