أدرك الفلسطينيون أهمية الثورة الجزائرية ومصيريتها لقضيتهم، فاعتبروا انتصارها انتصارا لهم، وقرروا مساندتها بكل ما يملكون، على ما هم فيه من بؤس وضياع وتشريد، فوقائع التاريخ والجغرافيا بالنسبة لهم، تفرض على فلسطين والجزائر التآزر والتضامن، وبدونه سيتعطل الواجب الديني والحضاري القائم بينهما، وقد شكل ابتلاء البلدان باستعمار يكاد يتطابق في أساليبه وأهدافه، وبتأثير نتائجه، دافعا إضافيا للتضامن والتكافل بين الشعبين في الجزائر وفلسطين، فقد كانت قضيتهما حاسمتين في تاريخ الأمة العربية، في مواجهة المشاريع الاستعمارية التي خططت القوى الكبرى، لذلك تابعوا أخبارها باستمرار، ودعموها معنويا وسياسيا، وكتبوا فيها شعرا من أروع ما كتب في الجزائر وثورتها، أبرزه ما كتبه محمود درويش الذي يقول في قصيدة بعنوان “عن قيد الضياء” مخاطبا فيها ثوار الجزائر.
أصدقائي أصدقائي إنها أخباركم يا أقربائي، فرحة في قلب عمال بلادي، نشوة في عمر أطفالي، في بلادي كل ما فيها كبيرا الكبرياء، شمس إفريقيا على أوراسها قرص آباء وعلى زيتونها مشنقة للدخلاء.
فالثورة الجزائرية بالنسبة لدرويش قدمت مفهوما ذا معنى خاص للحرية، فهي لا يمكن أن توهب إلا بالدماء، والأوراس بالنسبة له، رمز أبدي للجانبين المادي والروحي، وهو بهذا المعنى يشكل الحضارة التي تميز الانسان، وتربطه بوطن هو موضوع هذه الحضارة… الأرض والدين والأوراس مهد أفئدة كل الثوار، والأحرار في هذا العالم، ولم يترك فرصة لاختيار وطنا.. فلقد وجدنا أنفسنا نبضا من هذا الوطن، يقول درويش في ثنايا القصيدة، ومن لحمه ومن نخاعه، لذا فهو لنا وعلينا فداؤه، وطالما تمنى درويش أن يحمله طائر الشواق من فلسطين…المصلوبة والمذبوحة، والثائرة إلى جزائر الثورة المنتصرة، ليبارك استقلالها.
لقد دافع الفلسطينيون سياسيا أيضا، ورافعوا لصالح الجزائر في المنابر الدولية بجانب دعمهم المعنوي في كتاباتهم وشعرهم، فقد وقف المناضل “أحمد الشقيري” في الأمم المتحدة مدافعا ومرحبا باستقلال الجزائر حين قال:”… نحن مع الجزائر في السراء والضراء، إننا أصدقاء الجزائر في السلم وفي الحرب، في الولاء وفي العداء، في الشدة وفي الرخاء”.
وقد أظهر أحمد الشقيري مواقف مشرفة تجاه القضية الجزائرية طيلة فترة تمثيله للجامعة العربية، وسوريا والسعودية في الأمم المتحدة، ودافع بجرأة وحنكة ضد أطروحات فرنسا في الأمم المتحدة سنة 1955، وعن حرية الشعب الجزائري وعن حكومته التي “ليست لها أرضا”، على حد ادعاء الفرنسيين، عندما رد على ممثل فرنسا “وماذا عن حكومة ديغول التي تأسست بالمنفى لمقاومة الألمان”؟.. وكانت تلك مقارنة ذكية زعزعت حكومة ديغول التي تأسست بالمنفى لمقاومة الألمان التي كانت تنفي وجود الجزائر كشخصية وكهوية مستقلة أمام الرأي العام الدولي.
ب\ص