الفرصة الأخيرة

  الفرصة الأخيرة

من نفحات العشر الأواخر تلك الليلة الطيبة المباركة التي تشرفت بنزول القرآن إلى السماء الدنيا: ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ” الدخان: 3، وزادها الله تكريمًا أن جعل العبادة فيها تعادل عبادة ألف شهر في الأجر والثواب: ” لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ” القدر: 3؛ فضلًا وكرمًا من الله تعالى على هذه الأمة: ” ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ” الحديد: 21، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر لله ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري. وبعد كل هذا الفضل – وغيره الكثير – يستوجب الأمر شد الحزام وطول القيام، وما يدريك فقد تكون فرصتك الوحيدة في العمر؟ فَأَرِ الله خيرًا في نفسك، وأرِهِ الشهامة ورباطة الجأش، فمحروم والله من حُرم خيرها.

إن الدعاء هو العبادة؛ كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالعبادة بلا دعاء كطعام بلا ملح، وكجسد بلا روح، ولن يستشعر لذة العبادة إلا من تذوق روحانية الدعاء، الذي تستحضر فيه عظمة خالقك، وقدرته على قضاء حاجاتك، وبعث الاطمئنان إلى قلبك، دعاء تلح فيه على الله، وتتضرع وأنت واقف بين يديه، خاضعًا منكسر الجناح مغتنمًا أوقات الاستجابة، وموقنًا بالإجابة؛ فهو القائل سبحانه: ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” البقرة: 186، وقال عز من قائل: ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ” غافر: 60، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله حييٌّ كريم؛ يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين” رواه الترمذي.

إن الإحسان والبذل والعطاء في شهر الكرم؛ فلقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة” رواه البخاري. وفي زمن البلاء ووقت الضيق يكون آكدَ وأفضلَ عند الله منه في زمن اليسر؛ ألم يقل الله تعالى: ” لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” الحديد: 10.