عشق الجزائر إلى النخاع

“الغصة” …فيلم يذكر بطولات موريس لابان

“الغصة” …فيلم يذكر بطولات موريس لابان

بعيدا عن الأضواء والخرجات الإعلامية، يعمل المخرج «خالد شنة» على وضع اللمسات الأخيرة لفيلمه الوثائقي الجديد المعنون بـ «الغصة» يتناول قصة المناضل «موريس لابان»، الذي عشق الجزائر إلى النخاع ووضع نفسه ـ منذ البداية ـ في خدمة القضية الوطنية مضحيا بحياته من أجلها حتى اللحظة الأخيرة، حين رفع سلاحه ضد المحتل الفرنسي في معركة جرت أطوارها بمنطقة «أورليان فيل» “الشلف” حاليا ـ وانتهت بسقوطه في ساحة المعركة «لابان» رفقة أربعة مجاهدين من بينهم المناضل الكبير هنري مايو، يوم 5 جوان 1956.

ويعد الفيلم السينمائي الوثائقي “الغصة” -سيناريو الكاتب علي مغازي – بمثابة مساءلة حول ملف الذاكرة المطروح بين الجزائر وفرنسا، باعتبار أن «لابان» – المولود يوم 30 أكتوبر 1914، بمدينة بسكرة – يمثل حلقة تقاطع مشتركة، فهو جزائري الروح والهوية والضمير، لكنه بالمقابل فرنسي الأصل، وهذه ـ في حد ذاتها ـ حالة تتطلّب المعالجة من كافة الزوايا وعلى ضوء الزمن الراهن.

هذا الفيلم الذي اختير له اسم «الغُصّة» ـ وهي كلمة تشير إلى حساب الذاكرة الذي بقي عالقا في حلق التاريخ ـ يلخص – في 52 دقيقة – رحلة رجل حر، خاض تجارب بطولية ـ منذ سن الصبا إلى تلك اللحظة التي قرر فيها أن ينضم إلى العمل المسلح ضد الاستعمار ـ وهذه التجارب مكّنته من تحرير ذاته على كل المستويات ليخلص إلى تبني القيم الإنسانية ولو على حساب توجهات بني جلدته من الاستعمار الفرنسي.

ويرصد “خالد شنة” – عبر فيلم “الغصة” – تجربة «موريس لابان» إزاء “فلسفة الحرية” التي عاش تحولاتها انطلاقا من ذاته، فقد تحرر ـ لأول مرة ـ من السلطة الأبوية ـ في أبسط مظاهرها ـ حين وقف إلى جانب عمال جزائريين كان يستخدمهم والده في مزرعته ببسكرة، لقد شجّع الفتى موريس هؤلاء العمال، وقادهم بطريقة ما إلى أن يحتجوا ضد والده من أجل الحصول على المزيد من الحقوق.

هذه الخطوة النضالية مهدت إلى خطوة أعمق حين انخرط الشهيد «موريس لابان» في النضال السياسي ضمن الحزب الشيوعي الجزائري، لكنه سرعان ما تحرر – إيديولوجيا – من أبوة هذا الحزب ليساهم في إعادة تأسيسه بتوجهات جزائرية، والأهم من ذلك أنه تحرر من زيف الأبوة في معناها الأشمل.

لقد أنكر انتماءه إلى الدولة الفرنسية التي مارست جرائمها الاستعمارية ضد الجزائريين محتفظة بشعارها الزائف: (حرية، مساواة، أخوة). لكن «موريس» الذي وضعته سلطة الاحتلال في قائمة الخونة، لم يخن الشعار سالف الذكر بل طبقه على أرض الواقع واستشهد دفاعا عن جوهره، لكن في سبيل الجزائر.

ق\ث