الغش في الدين: إن الغش إذا ذكر انصرف الذهن إلى قبح الخداع والمكر عدم النصح لأهل الإسلام، والغش خبث السريرة مع إظهار الحسن وهي صفة أصيلة في أهل النفاق، وإذا أردنا أن نفهم الغش على مستوياته المختلفة فإن أعظمه وأشده فتكًا وجرمًا الغش في الدين، وذلك أن يغير المرء أحكام الله وقد ورد التحذير من جناية مثل هذا الفعل في قوله تعالى ” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ” النحل: 116. هذا الباب كم من أناس أوغلوا فيه وأسرفوا إسرافًا لن يكون معه في الدنيا صلاحًا ولا في الآخرة حجة وفلاحًا، فليس بالهين أن تفسد على الناس دينهم بما أعطاك الله من لسان فصيح وقول مليح وحظوة عند من لا يخاف الله ويرعى الدار الآخرة.
غش النفس: وقد ورد في الحديث: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها” مسلم. هذا البيان لطهارة الإنسان ظاهرًا بالوضوء، وداخلًا بالإيمان حال كونه حامدًا شاكرًا لنعمة التوفيق لطاعة الرحمن، غاديًا إلى ربه ينصب قدميه في بيت من بيوته راكعًا ساجدًا، باذلًا لجاهه وماله، صابرًا على طاعة الله صابرًا على ترك معصية متأدبًا مع الله عند حلول المصائب والنكبات.
غش الرعية: بكلام بين واضح قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه”، ما من أحد إلا وتحت يده أناس قد ولاه الله عليهم بولاية خاصة أو عامة، وهذه أمانة قد ينجو الإنسان بنفسه ولكن يهلك بغيره، وذلك كما ورد في حديث البشير النذير: “ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ” مسلم. فالراعي ولي ليس له أن يتصرف إلا بما أولاه الله على رعيته، فيلزمه النصح لهم بكل أنواع النصح سواء في معاشهم في الحياة الدنيا، أو معادهم يوم القيامة.
غش الناس في المعاش: فغش الناس في معاملاتهم مما يولد الكثير من تنافر الناس وبغضهم وكراهيتهم لبعضهم البعض، ويفسد عليهم معاشهم، وقد كان رسول الله في جولة في السوق فـمرَّ علَى صُبرةٍ مِن طعامٍ فأدخلَ يدَهُ فيها، فَنالَت أصابعُهُ بللًا. فقال: “يا صاحبَ الطَّعامِ ما هذَا؟” قال: أصابَتهُ السَّماءُ يا رسولَ اللَّهِ. قال: “أفَلا جعلتَهُ فَوقَ الطَّعامِ؛ حتَّى يراهُ النَّاسُ” ثمَّ قال: “مَن غشَّ فلَيسَ منَّا” الترمذي. فمن خادع الناس وغشهم في تجارتهم ومعاشهم فليس على منهج ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تهديد صريح في خروج الغاش عن المنهج الرباني الذي وضعه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ورتب عليه خيري الدنيا والآخرة، فالغاش في المعاملات بائع لدينه بعرض من الدنيا زهيد حقير قلَّ أو كثر.
من موقع الالوكة الإسلامي