لقد عاشت الجزائر في ظل الاستعمار الفرنسي وضعاً صعباً، بسبب سنوات طويلة من سياسات الفرنسة المصحوبة بحملات قمع قاسية أخذت أحياناً شكل حملات الأرض المحروقة التي قادها جنرالات فرنسيون أرادوا خنق إرادة الحرية لشعب الجزائر، وفي واقع الأمر تعايشت على أرض الجزائر مجموعتان سكانيتان متمايزتان يحكمهما حاكم عام يعينه مجلس الوزراء الفرنسي، فتمتع المستوطنون بكل الحقوق السياسية وبالعديد من الامتيازات الاقتصادية والثقافية، في حين عاش الجزائريون “أو مسلمو الجزائر وفق التسمية الفرنسية” ظروفاً صعبة. ولم يكن الاحتلال الفرنسي للجزائر مجرد إخضاع عسكري ونفوذ سياسي، بل كان ذا أبعاد حضارية وثقافية واسعة، أرادت فرنسا من خلالها طمس الشخصية العربية والإسلامية للجزائر، وجعلها تابعاً ذيلياً يدور في الفلك الفرنسي بلا إرادة ولا انتماء خاص. وإننا نخطئ كثيراً حينما ندرس حروب الفرنجة التي تسميها أوروبا “الحروب الصليبية” في إطار المشرق العربي فحسب، متجاهلين أو متناسين الهجمة الأوروبية في المغرب العربي بدءاً من الحرب الإسبانية ـ العربية التي كانت الوجه الآخر لحروب المشرق الصليبية.
وحينما سقط المعقل العربي الأخير في الأندلس عام 898 هـ ـ 1492م وخرج المسلمون من غرناطة ومن الأندلس، امتدت الملاحقة الأوروبية متمثلة باسبانيا والبرتغال تجتاح الشواطئ المغربية والجزائرية على الأطلسي والمتوسط، وتتجاوزها إلى البحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي في موجة عرفت باسم الاستعمار الأوروبي وكشوفه الجغرافية، لقد أدرك المستعمرون أن بقاءهم واستمرارهم لا تكفيه القوة العسكرية، وإنما كان لابدّ له من غزو ثقافي وفكري يزلزل الأسس الفكرية التي تقوم عليها شخصية الشعب بشكل يتيح للقوة المستعمرة إذابة تلك الشخصية أو تشويهها. يقول الكاتب البريطاني ايفنز وهو أستاذ التاريخ ومتخصص في التاريخ الفرنسي: إن حرب الجزائر تركت جراحاً عميقة في المجتمع الجزائري وآثار ذات دلالة على المجتمع الفرنسي، وقد أدت تلك الحرب إلى عودة مليون ونيف من المستوطنين الفرنسيين إلى بلدهم فرنسا، وهؤلاء هم من تبنى مبادئ اليمين المتطرف بطروحات أولئك المستوطنين الفرنسيين الذين كانوا مصاصي دماء الشعب الجزائري وناهبي ثروات أرضه.