العوض الرباني

العوض الرباني

 

الكدر قدَرُ الله في صفو الدنيا ونعيمها؛ فأفراحها ولذائذها مشوبة بالنقص أو الترك؛ كي لا يرضى العباد بالدنيا، ويطمئنوا بها؛ ويصيروا إلى الآخرة خاسرين. ومن لطف الله بعباده ورحمته أن جعل لهم عوضًا من كل فائت، وعزاءً من كل مفقودًا، وجبرًا من ناقص إن هم فقهوا عِوَضَه الربانيَّ وأتوا بآدابه؛ فذاك الجزاء والعوض أثر رحمةِ الرحيم ولطفِه، وجَبْرِ الجبّار لانكسار القلوب، وإحسانِ المحسن للخلق، وكرمه لهم. وجَرَتْ عادةُ الله التي لا تتبدل في خلقه أن من ترك شيئًا لله عز وجل، أو أخذ منه محبوبًا له واحتسب؛ عوّضه الله خيرًا مما ترك أو فقد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إنك لن تدع شيئًا لله – عز وجل – إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه ” رواه أحمد وصححه الألباني على شرط مسلم. وقال ابن عمر رضي الله عنه: ” ما ترك عبد أمرًا، لا يتركه إلا لله إلا عوّضه الله منه ما هو خير له منه في دينه ودنياه”.

إن فقه العوض الرباني يورث العبد ثقة بالخَلَف، وقوةً في التحمّل، وعزاءً وسلوة ورضا، كما أن هذا الفقه يوسع مدارك العبد، ويبصّره بلطف الله له وإغداقِه الفضلَ عليه وإن فقد ما فقد أو ترك ما ترك؛ وذلك أن هذا العوض يأتي على أنماط شتى؛ كلها أفضل مما ترك أو فقد، ولا ينحصر ذلك العوض في خَلَف الشيء المفقود أو المتروك بعينه أو جنسه، بل منه ما يكون عوضًا دنيويًا مباركًا؛ محسوسًا أو غير محسوس، ومنه ما يكون أخرويًّا، وذلك خير أنواع العوض، وكله خير؛ إذ ذاك العوض من الخير الكثير الذي أخفاه الله في مكروهات النفوس، كما قال سبحانه ” فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ” النساء: 19. قال ابن القيم: ” وقولهم: ” من ترك لله شيئًا؛ عوّضه الله خيرًا منه ” حقٌ، والعوض أنواع مختلفة، وأجلُّ ما يُعوَّض به الأنسُ بالله، ومحبتُه، وطمأنينةُ القلب به، وقوتُه، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن ربه تعالى “.