إنَّنا كمسلمين نسلِّم لرب العالمين، ولشرعه المتين، ولنبيه الصادق الأمين، فعشنا سنوات عديدة، وأزمنة مديدة في خيرٍ عظيم؛ وذلك باليقين الذي تربَّت عليه الأمَّة من ضرورة الزواج، وأنه حصن حصين للمجتمع، وإن كانت المعوقات من زمن بعيد موجودة، لكنها لم تكن بالشَّكل الذي صارت إليه في زماننا، ولم تشكِّل تلك الخطورة التي يشكِّلها العزوف عن الزواج في أيامنا؛ وذلك لكثرة الفتن، ولتجدد المغريات، ولقوة أهل الباطل في نشر باطلهم، وحرصهم على إشاعة الفاحِشة في المجتمع المسلم، إن العنوسة مع كونها ظاهرة تكتنف البيوت، وتختبئ وراء الجدران، فإنها ظاهرة لا يكاد شرها يستقر، ولا يكاد أهلها يسكنون، فهم في قلقٍ دائم، فالسكنى للبشر جعلها الله في اجتماعٍ حميم، وزواج رحيم ” لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ” الروم: 21، فهي ظاهرة خطيرة لا بد من البحث عن أسبابها، والسعي في علاجها. من جملة أسباب العنوسة التي يمكن السعي في معالجتها ما يلي:
– المغالاة في المهور، والكلام في هذا قد كَثُر، والناصحون في عمَل مستمر يحذِّرون من مغبَّة ذلك العمل، وعقبة المال هي العقبة الأولى غالبًا أمام مُريد العفاف؛ فـ “الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسيَّة الفطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج؛ لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس.
– ومن الأسباب الحرب الشعواء التي تشن على تعدُّد الزوجات، بسبب أو بآخر، ولو علِموا ما في التعدُّد من النجاة والخير، لدَعوا إليه بكلِّ ما أوتوا من قوَّة، وحرصوا على إفشائه بكلِّ طريق، ولا يُعترض بالأخطاء التي يقع فيها بعضُ المعدِّدين؛ لقلَّة فقههم، أو لضعف إيمانهم، فالشريعة عندما أباحت التعدُّد جعلت الضوابطَ والشروط؛ حتى لا يختلَّ الأمر، ولا تضطرب الأحوال.
– عزوف الشباب من الذكور والإناث عن الزواج بحجج واهية؛ كحجَّة التعليم، وهل الزواج يعيق عن التعليم؟! بل إنَّ صفاء الذِّهن، وراحة النفس، وهدوء البال هي رفيقة المتزوج والمتزوجة، فإن كان العذر من قِبَل الرجل فلا تنظر إلى بعض التجارب الفاشلة، ولكن انظر إلى الناجحين الذين ارتقوا بعد زواجهم، وازداد تحصيلهم.
– قد تكون العادات والتقاليد السيئة سببًا رئيسًا للعنوسة؛ فمن تلك العادات اشتراط الزَّواج من نفس القبيلة، والضحيَّة في هذا الأمر هنَّ الفتيات، فالرجال قد يخرجون يمنة ويسرة، ويتزوَّجون من حيث شاءوا، وقد يَفعل ما لا يُرضي الله تعالى، وهذا أمر خطير، خاصَّة مع كثرة المغريات، وسهولة التعرُّض للفتن من خلال المواقع والقنوات، فكيف بالله عليك يا أيها الأب تَمنع ابنتَك من زوجٍ ذي خُلُق ودِين.
– ومن أسباب العنوسة: إهمال المجتمع لأمر الزواج، وعدم التعاون مع الشابِّ الذي يريد العفاف، وماذا يحتاج الشباب ليتزوَّج؟ يحتاج إلى المال، وإلى سكَن، وإلى عمل أو وظيفة يحصل من خلالها على لقمة العيش؛ وكل هذه الأمور موجودة لدينا، ويستطيع أن يتعاون بها بعضنا، فإلى كل مَن يقدر على إعانة الشباب في الزواج أقول له: لا تتأخَّر لحظة واحدة في تكوين بَيت مسلم، فكم لك من الأجر يوم أن تكون سببًا في تَكثير أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.