العمل عبادة

العمل عبادة

لقد أخذ العملُ في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فلم يحدث أن دينًا من الأديان السابقة أكد قيمة العمل وقيمة الفرد العامل كما فعل الإسلامُ الذي جعل العملَ واجباً إسلامياً مفروضاً على كل إنسان مهما علا شأنه أو صغر، وقرر منذ بدء دعوته أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأنه قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومن هنا كان الارتباط والاقتران بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة من كتاب الله الكريم؛ قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” الكهف: 30، “إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا” الكهف: 107، فلا إيمان إلا بالعمل الصالح الذي يؤكد هذا الإيمان تأكيداً عملياً من خلال الكد والاجتهاد والبحث عن الرزق وإعمار الأرض. ولقد حرَص الإسلام على دفع المسلمين إلى العمل، وحضهم عليه، وترغيبهم فيه، وفتَحَ أمامهم أبوابَ العمل الصالح على مصراعيها؛ ليختار كلُّ إنسان ما يناسبُ قدراتِه وإمكانياتِه ومهاراته من عمل طيب، وجاء الأمرُ بالانتشار في الأرض بعد الصلاة طلبا للرزق؛ فقال تعالى: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” الجمعة: 10. وحث الإسلام على المهن والحرف اليدوية، وجعل كل كسب حلالٍ عملاً شريفاً وإن نظر إليه بعضُ الناس نظرة استهانة واحتقار، فقد روى البخاري عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن رسول الله قال: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”.

ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل الكسب والمهن والحرف اليدوية؛ فعن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله قال: “ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”. وفي الحث على المزارعة والغرس روى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: “ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”. ولقد كان الرسلُ والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من أحرص الناس على العمل إلى جانب الدعوة إلى الله فكان نوحٌ نجاراً، وكان إدريس خياطاً، وكان داود خواصاً، وكان موسى أجيراً عند شعيب، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم ويعمل بالتجارة قبل البعثة. وقد اقتدى به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فحرَصوا على العمل والسعي في طلب الرزق؛ فكان منهم الصانع والتاجر والزارع، وكانوا يتمتعون بالغنى وسعة الرزق ويمارسون أعمالهم مع انشغالهم في الدعوة والجهاد في الغزوات والحروب والفتوحات التي كانوا يحققون فيها النصر والظفر.

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي