ما من أحدٍ من الناس إلا وهو يريد أن تطول حياته، فالمؤمن يتمنى ذلك ليعمُر دينه ودنياه، ويزداد طاعةً وإقبالًا على مولاه، وهو ما يحبِّذه الشارع الحكيم كما في الحديث عنْ أَبي هُريرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: “لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ، إِمَّا مُحسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ”، متفقٌ عَلَيْهِ، إلا أن مفهوم الموت والحياة قد يختلف من شخص لآخر، فمن الناس من يعيش حيًا وهو في الحقيقة ميت، ومن الناس من يكون ميتًا لكنه حي، فالموت الحقيقي هو موت القلب والعقل والضمير، كما قال الله تعالى: “أومن كان ميتًا فأحييناه” الأنعام: 122، وقوله جل شأنه: ” إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ” النمل: 80، فمثل هؤلاء هم أحياء بأجسادهم لكنهم موتى بعدم الانتفاع بشيء من حياتهم لآخرتهم. والحياة الحقيقية هي التي تكون ذاتَ أثرٍ في نفسها بالانتفاع بسماع الحق، والبقاء بالذكر الحسن بعد الانتقال لدار البقاء، كما قال الله تعالى في شأن الشهداء: “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ” البقرة: 154، فهؤلاء أحياء بما تركوا من أثر في حماية الدين والدنيا، وكذا من بقي أثرُه بصالح عمله من علم ينتفع به، أو عملِ خير ينتفع به الناس فيذكر عندهم بالثناء والدعاء، وهذا ما أراده أبو الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بدعوته ربه: “وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ” الشعراء: 84، فأعطاه الله ذلك كما قال سبحانه: “وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ” مريم: 50، فكل البشرية تثني عليه وعلى ذريته، فهذا الذكر يعد حياة ثانية، ومثل هذه الحياة هي في متناول كل إنسان، إن صحبه الإخلاص والتوفيق للعمل الصالح فيعيش بها في دار برزخه كما لو كان في حياته. وفي الهدي النبوي يقول عليه الصلاة والسلام: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، فالموفق يحرص على بقائه حيًا في هذه الحياة بجعل شيء من ماله وقفا لله تعالى، يحبس أصله ويبقى نفعه، وأجره وذكره، ومما يبقى أثره ويدوم خيره الدعاء الصالح للعبد من الولد وغير الولد.