لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعض الصحابة بالأمر بتعلم بعض العلوم الدنيوية لتحقق نفعها للمسلمين، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب يهود وفي رواية: بالسريانية وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مرَّ بي نصف شهر حتى تعلمته وحذقته، فكنت أكتب له إليهم وأقرأ له كتبهم” رواه الترمذي. ففي هذا الحديث دلالة صريحة على أن تعلم العلوم الدنيوية التي فيها نفع عام للمسلمين مقصودة للشارع، مأجور عليها إن صلحت النية. وانظر إلى الإمام محمد بن عبد الباقي الأنصاري لما أسر في أيدي الروم لم يترك وقته يضيع سدى بل تعلم منهم اللغة الرومية والخط الرومي لعله قد يحتاج إليها يوما، وروى الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير رضي الله عنه مائة غلام، يتكلم كل غلام بلغة ” وقد ذكر الصفدي تلميذ شيخ الإسلام عن شيخه أبي العباس ابن تيمية أنه كان ملما بالحساب والهندسة .
وقال تعالى عن داود في معرض المنة والتفضل ” وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ” قال القرطبي رحمه الله: هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع، وكان أيضا يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، ولقمان خياطا، وطالوت دباغا. وقيل: سقاء ; فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس. وفي قوله تعالى ” عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” وهذا في معرض الامتنان أيضاً، مما يدل على أنه من الخير الذي أنعم الله به على الإنسان يقول الطبري: وقوله: ” عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” العلق: 5. يقول تعالى ذكره: علم الإنسان الخط بالقلم، ولم يكن يعلمه، مع أشياء غير ذلك، مما علمه ولم يكن يعلمه.