راية رُفعت بدماء مليون ونصف مليون شهيد

العلم الوطني الجزائري.. ألوان ثلاثية مجدَت عزة شعب وتاريخ أمة كُتب بالدم

العلم الوطني الجزائري.. ألوان ثلاثية مجدَت عزة شعب وتاريخ أمة كُتب بالدم

العلم الذي أبى أبناء الوطن إلا أن يبقى مرفوعا فوق سماء الجزائر، وسعوا من أجل ذلك بكل ما أوتوا من قوة، فضحّوا بمالهم وأبنائهم وأنفسهم، لتظل راية الجزائر راية الشموخ

وعنوانا للنضال، فرغم أن هذا العلم تغير بتغيّر الحقب الزمنية والظروف المختلفة التي تميزت بها كل فترة، غير أنه ظل طيلة هذه السنين يعبر عن مدى حب هذا الشعب لبلده ورغبته الجامحة في أن تكون الجزائر حرة مستقلة.

كانت إرادة شعب رفض الذل والهوان ووفى بوعده بتحرير أرض الشهداء والأبطال.

 

من الخلافة العثمانية إلى مقاومة الأمير عبد القادر.. علم يروي تاريخ الجزائر

تميز العلم الجزائري خلال الخلافة العثمانية باللون الأحمر الذي كان اللون الأساسي في البلدان الإسلامية، حيث تشير مصادر فرنسية إلى أن النقيب “جو فروا” انتزع عند دخول القوات الفرنسية الغازية الأراضي الجزائرية علما أحمرا من على حصن الداي، كما نقلت كتب التاريخ رسما لعلم الداي حسين الذي كان عبارة عن قطعة من الحرير الأحمر وسطها مقص مفتوح بلون الذهبي يرمز لذو الفقار سيف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان هذا العلم آخر علم قبل الإستعمار الفرنسي، حيث لم يغير فيه إلا عند قيام الثورات الشعبية وبالضبط ثورة الأمير عبد القادر، حيث يعتبر حسب المؤرخين أن أصل العلم يعود للأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وزعيم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، الذي تبنى راية مغايرة للتي كانت معتمدة قبل دخول الفرنسيين للجزائر، فاختفى العلم الأحمر الذي ميز فترة الحكم العثماني للجزائر منذ القرن السادس عشر حتى انتزعه الفرنسيون من فوق قلعة الداي حسن بالجزائر في 04 جويلية عام 1830 واستمرت راية الأمير عبد القادر ترفرف عاليا ما بين 1830 – 1847 التي احتوت كفا ربما كدلالة على المبايعة في الوسط آية قرآنية “نصر من الله وفتح قريب” وعلى الجانب الآخر “ناصر الدين عبد القادر”، واستعملت ألوان علم الأمير الأخضر في أعلاه وأسفله وفي الوسط أبيض ولم يكن ظهور هذا العلم بمحض الصدفة في هذه الفترة بل كان يرمز إلى استقلال سياسي عن الدولة العثمانية بعد أفول حكمها في الجزائر وإيذانا بظهور الدولة الجزائرية الحديثة وقد أعطيت دلالة لكل لون ورمز، فالأبيض رمز السلم بين البشرية والأخضر التطلع إلى التقدم والرخاء، أما الأحمر فهو رمز فضيلة العمل الإنساني والهلال والنجمة دلالة على الانتماء إلى الإسلام.

 

العلم الجزائري الجديد وقصة نضال 

بعد نهاية مقاومة الأمير عبد القادر، لم يظهر علم إلى غاية سنة 1910، ولم يكن رافعوه يشكلون حزبا سياسيا أو جمعية منظمة بل كانوا عمالا جزائريين بميناء سكيكدة خلال مظاهرات بالمدينة وكان هذا العلم مغايرا لعلم الأمير وتميز بلون أخضر عليه هلال ونفس العلم كان مثلا في الراية التي رفعها المجاهدون إثر انتفاضة الجنوب القسنطيني سنة 1917 وأشار إليه سنة 1920 النائب الفرنسي “موتييه” مخاطبا المنتخبين الجزائريين – الفرنسيين بقوله: “إن سياستكم ستدفع بالمسلمين للتجمع خلف علمهم الأخضر”، ولم يظهر في الفترة ما بين 1910 و1926 غير ذلك العلم وبقي الحال كذلك إلى غاية ظهور العلم بشكله الحالي في مظاهرات 17 جويلية 1934 وجاء حسب العديد من المصادر التاريخية والمؤرخين التي تحدثت عن تاريخ الثورة الجزائرية أن فكرة تصميم علم وطني ترجع إلى سنة 1929، العام الذي فكر فيه “مصالي الحاج” في علم يرمز للحرية بعدما أصبح يردد وينادي باستقلال الجزائر منذ عام 1927 بمدينة بروكسل ببلجيكا وعام بعد عام أصبحت الفكرة حلما واعتمد نجم شمال إفريقيا هذا المبدأ ما بين سنتي 1933 – 1934 لما اعتمد راية فيها الألوان الأبيض، الأخضر والأحمر للتعبير عن وحدة الدول الثلاث في شمال إفريقيا والعلم في شكله الحالي ظهر لأول مرة في مظاهرات 17 جويلية عام 1937 في بلكور بالجزائر ويعود تصميمه وحياكته لزوجة “مصالي الحاج” قبل المظاهرات بأيام، وهذا الأخير رفعه الجزائريون في مظاهرات 8 ماي عام 1945.

الثورة التحريرية آخر محطات تغير العلم الوطني بعد مجازر 8 ماي 1945 أضحى لدى الجزائريين قناعة بضرورة العمل المسلح لاسترجاع الحرية، ومع اندلاع الثورة التحريرية المباركة في الفاتح نوفمبر عام 1954 تبنت جبهة التحرير الوطني العلم الذي يعود تصميمه لمصالي الحاج في الفترة ما بين 1954 و1962 ولم يأخذ العلم الوطني شكله النهائي إلا بعد الاستقلال وتم اعتماده الرسمي بألوانه وأشكاله الأخضر، الأبيض والأحمر والنجمة والهلال وفق مقاييس محددة في اجتماع مجلس وزراء الحكومة الجزائرية يوم 03 أفريل عام 1962 فخصائصه معرفة بالقانون رقم 63-145 لـ 25 أفريل 1963 أما رمزية الألوان والأشكال فاتفقت على أن اللون الأبيض في العلم يرمز للسلام والنقاء، واللون الأخضر يرمز للإسلام وثروات البلاد، أما اللون الأحمر فيدل على دماء الشهداء، أما الهلال والنجمة فيرمزان للإسلام بصفته دين الدولة الرسمي.

 

تعديل الدستور أعطى حصانة أبدية لرموز الجزائر

احتل العلم الوطني الجزائري مكانة كبيرة في الدستور، حيث تم تعويض مضمون المادة الخامسة من الدستور الذي كان كالآتي: “العلم الوطني، وخاتم الدولة، والنشيد الوطني، يحددها القانون”، لتصبح الصيغة الجديدة أكثر دقة ووضوحا وهي “العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 فهما غير قابلين للتغيير، هذان الرمزان من رموز الثورة، هما الرمزان للجمهورية بالصفات التالية: علم الجزائر أخضر وأبيض، تتوسطه نجمة وهلال أحمر اللون والنشيد الوطني، بجميع مقاطعه، هو قسما ويحدد القانون خاتم الدولة”.

ق. م