مما لا يخفى أن الذنوب من أسباب العذاب والعقوبات التي تقع على الأفراد والمجتمعات، وقد ذكر الله عز وجل في آيات كثيرة من القرآن الكريم أن الأمم السابقة أُهلكت بذنوبهم؛ قال الله جل وعلا: ” فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ” الأنعام: 6، وقد تنوعت عقوباتهم؛ قال الله سبحانه وتعالى: “فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” العنكبوت: 40، فالعقوبات تتنوع، فتارة تكون بالفيضانات، وتارة بالزلازل الأرضية، وتارة بالحروب المدمرة، وتارة بالأعاصير، وتارة بالبراكين، وتارة بالمجاعات، وتارة بالصواعق المهلكة، وتارة بالأمراض والأوبئة. والأوبئة والأمراض القاتلة تنتشر عند ظهور الفاحشة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتُليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا…؛الحديث”؛ أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
إن المعاصي والذنوب سببٌ رئيس لكل المصائب في الأرض، ويعفو الله تعالى عن كثير؛ يقول الله جل وعلا: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” الشورى: 30، ويقول جل وعلا: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الروم: 41. يوضح السعدي رحمه الله معنى الآية، فيقول: أي: استعلن الفساد في البر والبحر؛ أي: فساد معايشهم، ونقصها، وحلول الآفـات بهـا، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك: وذلك بسبب ما قدَّمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها: ” لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا “؛ أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال، فعجَّل لهم نموذجًا من جزاء أعمالهم في الدنيا، ” لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” عن أعمالهم التي عادت لهم من الفساد ما عادت؛ فتصلـح أحوالهـم، ويستقيم أمرهم، فسبحان من أنعم ببلائه، وتفضَّل بعقوبته، وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة. وإذا كانت المصائب، والأمراض، والفتن بسبب المعاصي والذنوب، وضعف الإيمان، فإن تقوى الله تعالى وقوة الإيمان سببٌ في حصول الخير والبركة، كما قـال تعـالى: ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” الأعراف: 96.