العلاج بالمرآة… محاولات علمية حثيثة لاستكشاف جدواه

العلاج بالمرآة… محاولات علمية حثيثة لاستكشاف جدواه

 

بالنسبة للكثيرين، تُعدّ المرايا ضرورة في الحياة اليومية، حيث يمكن استخدامها لوضع الماكياج أو ربطة العنق، أو لضبط تصفيف الشعر أو للتأكد من جاذبية مظهر الوجه، أو للحلاقة بشكل صحيح، وغيرها. وضمن الديكورات في المنزل، تصنع المرآة وهم الفضاء ورحابة المساحة، إذ تساعد المرايا في أن تبدو مساحة الغرفة الصغيرة أكبر. وانعكاس المرآة يجذب الانتباه إلى قطع الأثاث ويُسهم في زيادة سطوع الإضاءة.

مرآة “علاجية”

ولكن لدى الأطباء، اليوم، يختلف الأمر تماماً، حيث تزداد وتيرة صدور الدراسات الطبية للتعرف على جوانب أوسع في استخدام المرآة لغايات علاجية، أو ما يُعرف بـ “العلاج بالمرآة”، ومنها تخفيف الآلام ما بعد بتر الأطراف، أو خلال مراحل التأهيل بعد الإصابة بالسكتة الدماغية، أو في تخفيف حِدة عدد من الأمراض العصبية، وكذلك في معالجة إلحاح الحكّ في الاضطرابات الجلدية، وأيضاً في أنواع شتى من الاضطرابات النفسية، وغيرها.

وعند استخدام المرآة في حالات الآلام ما بعد بتر الأطراف، يضع المريض الطرف السليم أمامها، وبقية الطرف المبتور (والمؤلم) في الجانب الآخر، ثم ينظر في المرآة التي تعكس الطرف السليم الكامل. ومن خلال استخدام ردود الفعل البصرية الجديدة (التي صنعتها المرآة)، يرى المريض الصورة المنعكسة لليد السليمة مثلاً وهي تتحرك دون ألم، ويتشكل في دماغه حينها كما لو كان الطرف الوهمي (غير الموجود) هو الذي يتحرك، ودون أي ألم.

علاج اضطرابات الحركة

وتذكر «المؤسسة القومية للصحة» بالولايات المتحدة أن دراسة بعنوان «علاج صندوق المرآة كخيار علاجي لاضطرابات الحركة الوظيفية”، يجري إجراؤها حالياً من قِبل باحثين من «كليفلاند كلينك» في أوهايو، وبدأت الدراسة، في جوان 2018، وأن التقدير لانتهاء الدراسة هو في جويلية 2023، وأفادت بأن «الغرض من هذه الدراسة هو التحقيق في إمكانية استخدام علاج صندوق المرآة بوصفه أسلوباً علاجياً بين المرضى البالغين الذين يعانون من رعاش لاإرادي، ثنائي أو أحادي الجانب في اليدين بوصفه أحد مظاهر اضطرابات الحركة الوظيفية. ومن المفترض أن تؤدي جلسات علاج المرآة القصيرة والمفردة داخل العيادة، إلى انخفاض ملحوظ في شدة رعاش الحركات اللاإرادية المرتبطة باضطرابات الحركة الوظيفية”.

 

المرايا كوسيلة علاجية… صناعة الوهم بخداع مقصود للدماغ

الدماغ هو مركز التحكم في الجسم، وعليه معالجة المعلومات القادمة من الحواس الخمس. والإبصار هو أقوى الحواس تأثيراً على الدماغ. وفي العلاج بالمرايا يستخدم البصر لعلاج الألم الذي يشعر به الأشخاص الذين بُترت أطرافهم، عن طريق «خداع الدماغ»، والذي بدوره يقوم بـ «خداع الشعور بالألم»، فهو يعطي الوهم بأن الطرف المفقود يتحرك، بينما في الواقع يرى الشخص في المرآة الطرف الحقيقي المتبقي. وبهذه الطريقة يتجاهل الدماغ حقيقة أنه لا يتلقى أية إشارة للحركة من الطرف المبتور نفسه، كما أن الواقع الافتراضي أداة واعدة تقدم بيئات تفاعلية وواقعية وقابلة للتعديل، قادرة على خداع الدماغ بطرق أكثر تعقيداً.

وضمن مراجعة علمية بعنوان «العلاج بالمرآة: تدخل محتمل لإدارة الألم»، في مجلة الجمعية الطبية البرازيلية في نوفمبر 2017، أفاد باحثون بريطانيون من جامعة ليدز بأن العلاج بالمرآة هو علاج غير دوائي وغير مكلِّف وآمن وسهل الاستخدام، في تخفيف الألم. وموانع الاستعمال والآثار الجانبية قليلة. وفي العلاج بالمرآة يجري وضع المرآة في موضع بحيث يمكن للمريض أن يرى انعكاساً لجزء من الجسم، ويستخدم لعلاج آلام الأطراف الوهمية، ومتلازمة الألم الموضعي المعقد، والاعتلال العصبي، وآلام أسفل الظهر. ويضيفون: «لا تزال آلية عمل العلاج بالمرآة غير واضحة تماماً، حيث إن إعادة دمج الأنظمة الحركية والحسية (في الدماغ)، وعودة ترميم صورة الجسم (في الدماغ)، والتحكم في تجنب الخوف (النفسي والبدني)، كلها آليات من المحتمل أن تؤثر على النتيجة. والأدلة العلمية على الفعالية الإكلينيكية للعلاج بالمرآة مشجِّعة، لكنه ليس نهائياً بعد”.

ويضيف الباحثون البريطانيون: «ثمة أساس منطقي فسيولوجي، حيث يشيع استخدام العلاج بالمرآة لتقليل القلق والخوف من الحركة، والتهديد المتصور المرتبط بحركة أجزاء الجسم المؤلمة. ويجري تحقيق ذلك من خلال خلق وهم بصري لطرف صحي يتحرك بشكل طبيعي موجود في المكان نفسه من الفضاء، مثل الطرف المؤلم المختبئ خلف المرآة. إن التغذية الراجعة البصرية لطرف متحرك طبيعي تكسر الرابط بين الألم والخوف من الحركة، نتيجة التلاعب بالتكامل الحسي والحركي داخل الجهاز العصبي المركزي، وعبر استخدام المعلومات الحسية لمقارنة النية بالأداء، ويجري تحديث الأوامر الحركية لتعديل التناقضات؛ لضمان تطابق الحركة مع النية”.

إيزوبتروفوبيا… رهاب الخوف من النظر إلى المرآة

“الخوف” من بعض الأشياء والذي يجعلك تشعر بعدم الأمان أو عدم الراحة منها، هو أمر شائع، كخشية الكثيرين من وخزات الإبر أو الطيران أو الثعابين أو الصراصير.

وبالرغم من أن هذه الأشياء قد تسبب القلق، فإن التفكير فيها لا يعطل الحياة اليومية للشخص، أما الرهاب، فهو مشاعر «خوف شديدة» يصعب تخلص العقل منها، ويبذل المُصاب قصارى جهده لتجنب المواقف التي تسبب له الرهاب، ويمكن أن تتجاوز هذه الجهود التفكير العقلاني، وتزداد الحالة سوءاً بمرور الوقت.

والمرايا جزء من الحياة اليومية، لكن بعض الناس لديهم مشكلة معها. يقول أطباء «كليفلاند كلينك»: «رهاب إيزوبتروفوبيا هو خوف غير صحي من المرايا. يخشى بعض الناس المرايا بسبب مشكلات الصورة الذاتية، وقد يتجنب الناس أيضاً المرايا لأنها تشوِّه شكل الجسم. ويؤدي هذا الرهاب إلى تغييرات في نمط الحياة لتجنب مواجهة المرايا”.

وبالرغم من عدم معرفة الأطباء آلية نشوء هذه الحالة لدى البعض، فإن لها أعراضاً ذات مزيج من السلوكيات السلبية والاستجابات الجسدية. ويوضح أطباء «كليفلاند كلينك» أن الأعراض السلوكية السلبية تشمل: اللجوء إلى عدة تغيرات لتجنب المرايا، كإزالة المرايا من المنزل، وعدم شراء مجموعات الماكياج التي تحتوي على مرايا، وتجنب النزهات العامة خوفاً من مواجهة المرآة، وتحاشي التسوق خوفاً من الواجهات الزجاجية للمتاجر. ويضيفون عدداً من الاستجابات الجسدية، كالقشعريرة، والدوخة والدوار، والتعرق المفرط، وخفقان القلب، والغثيان، وضيق التنفس، واضطراب المعدة.

ووفق ما تشير إليه مصادر الطب النفسي، يبقى العلاج الشائع لرهاب إيزوبتروفوبيا هو «العلاج بالتعرّض». وقد يبدأ علاج التعرض لرهاب إيزوبتروفوبيا من خلال النظر إلى «صور» فيها مرايا. وبمرور الوقت، قد يتقدم المريض في النظر إلى المرايا الحقيقية. ومع العلاج الناجح تصبح رؤية المرايا أقل إزعاجاً، كما قد يساعد العلاج السلوكي المعرفي في استكشاف الأفكار والمشاعر المرتبطة برهاب المرايا.

ق. م