إنَّ مِن الأعداء التي تَعترض العبد في طريقه إلى الله في هذه الدنيا: النفْس التي بين جنبَيه وداخل كيانه، فكثيرا ما تكونُ عدوًا لدودًا؛ لأنها تأمُر بالسوء؛ وتسمَّى على ذلك بالنفسِ الأمارةِ بالسوء، فهي تَميل للشهوات، وتَكره القُيود، وتحبُّ الانفلاتَ والتحرُّرَ مِن كل ما تُمنَع منه، وتَضيق ذَرعًا إذا أُلزمتْ بأمر مِن الأمور. وقد تكلَّم ابن القيم رحمه الله عن أنواع النفْس، وتكلَّم على كل نوع، فذكَر صفَةَ النفسِ المُطمئنَّة وصِفةَ النفسِ اللَّوامة ثم ذكَر صفةَ النفسِ الأمارةِ بالسوء. فقال رحمه الله “وأما النفسُ الأمَّارةُ فهي المَذمومة؛ فإنها التي تأمُر بكل سوء، وهذا مِن طبيعتها، إلا ما وفَّقها الله وثبَّتها وأعانها، فما تخلَّص أحد مِن شرِّ نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ” يوسف: 53. وقال رحمه الله: وقد امتحَن الله سبحانه الإنسانَ بهاتَين النَّفسَين الأمارةِ واللوَّامة، كما أكرَمَه بالمُطمئنَّة، فهي نفْس واحدة، تكون أمَّارةً ثمَّ لوامةً، ثم مُطمئنَّة؛ وهي غاية كَمالها وصلاحها، وأيَّد المُطمئنَّة بجُنود عديدة، فجعل المَلَك قرينَها وصاحبها الذي يَليها ويُسدِّدُها، ويقذفُ فيها الحقَّ ويُرغِّبُها فيه، ويُريها حُسنَ صورتِه، ويَزجُرُها عن الباطل؛ ويُزهِّدُها فيه.
إلى أن قال: وأما النفْسُ الأمارةُ فجعل الشيطانَ قرينَها وصاحبَها الذي يليَها، فهو يَعِدُها ويمنِّيها، ويَقذف فيها الباطل، ويَأمُرُها بالسوء، ويُزيِّنُه لها، ويُطيل في الأمل، ويُريها الباطلَ في صورةٍ تَقبَلُها وتَستحسِنُها، ويمدُّها بأنواع الإمداد الباطل؛ مِن الأمانيِّ الكاذِبة، والشهوات المُهلِكة، ويَستعين عليها بهَواها وإرادتها. وقال رحمه الله: وهي نفس واحدة، تكون أمَّارة تارة، ولوَّامة أُخرى، ومطمئنَّة أخرى، وأكثرُ الناسِ الغالبُ عليهم الأمَّارة. وأما المطمئنَّة فهي أقل النُّفوس البشرية عددًا، وأعظمها عند الله قدْرًا. والخلاصة أن النفس تحتاج إلى مجاهدة حتى تلزم ما يُرضي الله وتألفه وتحبه، وتترك ما حرم الله وتبتعد عنه وتكرهه. والله تعالى منَح الإنسان الإرادة الحرَّة، ليَضعه موضع الامتحان، فإذا عمل خيرًا فإنه سوف يَرى خيرًا، ومَن عمل شرًّا فإنه سوف يرى شرًّا؛ كما قال تعالى ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” الزلزلة: 7، 8.