-أكثر من 800 قتيل وحوالي 30000 جريح خلال السداسي الأول من سنة 2018
لم يكفِ فتك أمراض العصر التي تودي بحياة آلاف الجزائريين سنوياً، فنافستها حوادث المرور في خطف المزيد من الأرواح.
آخر ما كُشف عنه بخصوص “حصاد إرهاب الطرقات” في الجزائر، ما ذكره، وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، في تصريحات صحفية، مؤكداً أن “حوادث المرور تقتل 11 جزائرياً يومياً، و4 آلاف شخص سنوياً”.
كما كشف بدوي أن الجزائر “تخصص سنوياً 100 مليار دولار للتكفل بالمصابين بسبب حوادث المرور”، وهي الأرقام التي “تعزز صدارة الجزائر عربياً” في عدد حوادث المرور وحتى على المستوى العالمي، حيث تأتي في المركز “الرابع عالمياً”.
هذا، وتسببت حوادث المرور في هلاك 804 أشخاص وجرح 29.916 آخرين خلال السداسي الأول من السنة الجارية، أي بانخفاض “محسوس” على التوالي بـ 7.69 % و7.61 % مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية، حسب حصيلة لمصالح الحماية المدنية نشرت مؤخرا.
وأوضح تحليل مقارن لإحصائيات حوادث المرور أعدته ذات المصالح أن الحوادث الجسمانية التي بلغ عددها 24.906 سجلت كذلك انخفاضا بـ 8.82 %.
وأضاف ذات المصدر أن العدد الأكبر للموتى والجرحى قد سجل خلال حوادث الاصطدام المباشر وانقلاب المركبات أي بأكثر من 74 %، أما عدد الأشخاص الموتى والجرحى الذين تعرضوا للدهس من المركبات، فبلغت نسبتهم 21 %.
أما نسبة الضحايا المتوفين من جنس ذكر فقد بلغت 76 %، في حين بلغت نسبة الضحايا من الإناث 11 %، فيما شكل الأطفال نسبة 13 % من الضحايا.
وفيما يخص نوع وسائل النقل المعنية بحوادث المرور، فقد أظهرت الدراسة أن المركبات الخفيفة تبقى تحتل الصدارة بنسبة 74 % متبوعة بالدراجات النارية والدراجات الهوائية والشاحنات على التوالي بـ 12 % و 10.60 %.
كما أفادت ذات الإحصائيات أن 43.38 % من حوادث المرور سجلت على مستوى الطرق الوطنية وأغلبها وقعت ما بين الساعة الرابعة مساء (16:00) والثامنة مساء (20:00)، وقد سجل في شهر جوان الماضي أكبر عدد من الحوادث وشهر فيفري العدد الأقل.
وتبقى عين الدفلى الولاية التي سجل فيها أكبر عدد من حوادث المرور خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2018 تسببت في وفاة 37 شخصا وجرح 744 آخرين.
العامل البشري سبب ارتفاع الحصيلة
وأعلن المركز الجزائري للوقاية والأمن عبر الطرق، أن العامل البشري هو سبب ارتفاع عدد حوادث المرور إلى 96 % من الحوادث المسجلة العام الماضي، مرجعا ذلك إلى إفراط السائقين في السرعة الذي تسبب في 22 % من الحوادث، إضافة إلى قلة تركيز السائقين داخل التجمعات السكنية التي تسببت في 13.15 % من الحوادث، أما التجاوزات الخطرة فقد شكلت 6.37 % من نسبة الحوادث الإجمالية.
غير أن كثيراً من السائقين “يشتكون من الطرقات الولائية والوطنية المهترئة بعضها”، والتي يعتبرونها من أسباب “زيادة حوادث المرور” في الجزائر.
وقد أعرب المسافرون عبر وسائل النقل الجماعية والحافلات عن قلقهم إزاء السائقين الذين لا يحترمون القانون وعدم أخذ القسط الكافي من الراحة قبل انطلاق الرحلة.
وفي هذا الشأن، قال نائب رئيس المنظمة الوطنية للناقلين الجزائريين “إن السائق الذي يقود أكثر من خمس ساعات دون توقف سيصاب بالإرهاق، الأمر الذي سيقلل من قدرته على رد الفعل وهو ما يؤدي إلى حوادث المرور”.
وأضاف المتحدث أن “طول المسافة يشكل ضغطا نفسيا على السائق ما يدفعه إلى الإفراط في السرعة بهدف التقليل من زمن الرحلة”.
الشباب أكثر الضحايا
قال الخبير محمد العزوني إن الشباب يشكلون نسبة 34 بالمائة من ضحايا حوادث المرور، بأعمار تقل عن 30 عاما لأسباب مختلفة بسبب التهور والتهاون في التزام بقانون المرور، وهي طاقات مستقبلية تهدر في الطرقات، وأرجع معدلات الحوادث المخيفة سنويا إلى عوامل متعلقة بالسلوك والوعي الحضاري.
وأضاف الأستاذ محمد العزوني خلال نزوله ضيفا عبر الهاتف على برنامج “نقطة حوار” بإذاعة الجزائر من أدرار، أن التحديات التي تواجه الجزائر برفع مؤشرات الوعي العام حول مخاطر الطريق، وكون السياقة مفهوما سلوكيا أخلاقيا وليست حركة فيزيائية لأن معظم حوادث المرور تعود بالدرجة الأولى إلى العامل البشري، علما أن الجزائر سجلت خلال الـ11شهرا من السنة الماضية 3.718 قتيلا و41 ألفا و544 جريجا نتيجة 27 ألف حادثا مروريا، وسنة 2015 قتل 4.610 شخصا وجرح 55 ألفا و994 نتيجة 35 ألف حادث مروري بمجموع 8000 قتيل و97 ألف جريح تشبه خسائر حرب، مما يجعل التشريعات القانونية والنصوص التطبيقية غير مجدية إذا ارتبطت بالجانب العقابي الردعي دون حملات توعية للتحسيس السلوكي، ويتجلى ذلك فقط حسب العزوني بإدراج مقياس التربية المرورية ضمن المناهج المدرسية، وهو ما طالب به منّذ سنة 1987 للمساهمة في ميلاد جيل قادم واع وطلب إنشاء شبكة وطنية خاصة بمدارس السياقة بل بإعادة تكوين مكوني السائقين.
ميكانيزمات خاصة للحافلات ومركبات الوزن الثقيل…
كما اعتبر الخبير محمد العزوني أن مركبات الوزن الثقيل والحافلات يجب أن يخضع فيها السائقون إلى ضوابط نفسية متصلة بالمستوى العلمي أولا والتكوين المستمر وتدابير خاصة بالمسافات الطويلة، مستغربا أن المسافات الطويلة تشهد شهريا انقلاب وانحراف حفلات عمومية لنقل المسافرين بطرق وطنية مختلفة وتصادم بين مركبات شاحنات نصف مقطورة وحافلات عمومية.
وفي سؤال لبرنامج “نقطة حوار” حول وضعية الطرقات، نفى الخبير أن نرجع أسباب الحوادث للطرقات بالدرجة الأولى “… القانون واضح بالنسبة للسائقين في ضرورة القيادة وضبط السرعة وفق حقل الرؤية…”، وبعضهم يقدم مبررات الحفر بالطرقات وسقوط الأمطار كأسباب غير مقنعة مادام في النهاية أن السيارة هي من يجب أن تخضع للسائق وليس العكس…”.
وأشار العميد المتقاعد من سلك الأمن الوطني منتج برنامج “طريق السلامة” على مدى عقود، إلى أن الحظيرة المرورية ارتفعت بمعدلات كبيرة مقارنة بالسبعينات ثم أن المراقبة التقنية للسيارات تتخذ طابعا شكليا أحيانا.
ويتضمن نص القانون المتعلق بتنظيم حركة المرور، عدة إجراءات تتعلق أساسا بإدراج رخصة السياقة بالنقاط وتشديد العقوبات على المخالفين، ويهدف النص الذي يعدل ويتمم القانون رقم 01-14 المؤرخ في 2001 إلى التقليص من إرهاب الطرقات.
كما أفاد أن القانون الأخير “…سوف يكون جيدا إذا طبق بذكاء”، خصوصا وأن ألمانيا وسويسرا الرائدتان في مجالات السلامة شرعتا به في خمسينيات القرن الماضي، أما فرنسا فقد بدأت منذ الثمانينيات في رصد المخالفات وفق أطر تقنية تكنولوجية تراعي جوانب مختلفة.
الأطفال ضحايا الحوادث لا يتعدون الـ05 بالمائة عند المدارس …
من جانب آخر، طمأن محمد العزوني بأن الأطفال ضحايا حوادث المرور لا يتجاوزون الـ 05 بالمائة عند المدارس التربوية، وترتفع النسبة عند اقتراب التلاميذ من اقاماتهم وهي مسؤولية بالدرجة الأولى تقع على الأولياء في مرافقة أبنائهم في ظل طرقات لا تتجاوب مع حركة المركبات، ويستوجب نقل تجارب مغاربية بحيث أن جمعيات أولياء التلاميذ لها دور كبير في المساعدة قرب المؤسسات التربوية من خلال وضع رزنامة تنظيمية للحراسة عند المدارس على شكل دوام يومي وفق جدول سنوي، وهي مساهمة هامة للمجتمع المدني، فيما تعاني الجزائر من مشكل نقص الثقافة الجمعوية والمبادرة والتطوع لأسباب غير مفهومة.