التَّقوى سلاح المؤمن في كلِّ زمان ومكان، وقد سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أكثر ما يُدْخِل النَّاسَ الجَنَّةَ، فقال: “تقْوى الله، وحُسن الخُلق”؛ لذا كانت وصيَّته عليه الصَّلاة والسَّلام لمُعاذ رضِي الله عنه: “يا مُعاذ، اتَّقِ الله حيثُ ما كنت، وأتْبِع السيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بِخُلق حسَن”. فالتَّقوى سبب عظيم لصلاح الحال والمآل؛ قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” الأحزاب: 70، 71. بل كان صلَّى الله عليه وسلَّم يترْجم التقوى في جميع حركاته وسكناته، وفي شأنه كله، وفي مقامِه، وحتَّى في سفره كان يعايش التقوى، فإذا استوى على راحلته خارجًا إلى سفر كان من دعائه: “اللَّهُمَّ إنَّا نسألك في سفرِنا هذا البرَّ والتَّقوى، ومن العمل ما ترْضى …” الحديث، ويأتيه رجل يريد السَّفر يقول له: أوْصني، فيقول له: “عليك بتقوى الله والتَّكْبير على كل شرف”.
إنَّ التقوى أفضلُ زاد يتزوَّد به العبد في رحلَتِه إلى الله والدَّار الآخرة؛ قال الله تعالى: ” وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ” البقرة: 197. والتَّقوى أحقُّ ما يتجمَّل به العبد المؤمن لربِّه في الحياة الدنيا؛ ” وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ” الأعراف: 26، فهي زينة الباطن التي تفوح عطرًا لتجمّل الظَّاهر بصالح الأعمال، فإنَّ التقوى تأتي من صلاح القلب وقوَّة الإيمان فيه لتنبعث على الجوارح والأركان؛ قال عزَّ وجلَّ ” ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ” الحج: 32.
ولا بدَّ أن يستعين العبد في تَحقيق التَّقوى بالدُّعاء والتضرُّع إلى الله؛ كما هو حال نبيِّنا عليْه الصَّلاة والسَّلام فقد كان يُكْثِر أن يقول: “اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى”، ويقول حينًا: “اللهُمَّ آتِ نفسي تقْواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها”. وإن كان ذلك يَحتاج إلى جهاد ومجاهدة ومصابرة؛ قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” آل عمران: 200.