هي النَّسب الربَّاني الَّذي جعله الله عزَّ وجلَّ ميدانًا للتَّسابُق، والتَّفاضُل بين العباد؛ ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” الحجرات: 13، فمقياس الكرامة والرِّفْعة والمنزلة العالية عند الله هو التقوى. لذلك كانت وصيَّة الله للنَّاس أجمعين من الأوَّلين والآخرين: ” وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ” النساء: 131، فهي عنوان السَّعادة في الدنيا والآخرة. المتَّقون يكرمهم ربُّهم في الدنيا بمغفِرة الذنوب، وتكْفير السيِّئات، وتطْهيرهم من أغْلال المعاصي، وآصار الخطايا، وتبْديل حالِهم إلى أحسنِ حالٍ من تعْظيم الأجور، وكسب الحسنات، ونيل الدَّرجات؛ ” ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ” الطلاق: 5، وبالتَّقوى تتحقَّق للعبد معيَّة الله وكفايتُه ونصرُه وتأييده، ” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ” النحل: 128.
كما أنَّ أهل التقوى تتيسَّر لهم الأمور بفضْل العزيز الغفور، وتتسهَّل أمامهم العقبات بتوفيق ربِّ الأرض والسماوات؛ ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ” الطلاق: 4. كما تنفتح للمتَّقين أبواب الرزق والفرَج دون جهد أو عناء؛ قال سبحانه: ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ” الطَّلاق: 2، 3. ولذا كانت التقوى هي وصيَّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه؛ فقد جاء رجُل إلى أبي سعيدٍ الخدْري رضي الله عنْه فقال: أوْصني، فقال: سألتَ عمَّا سألتُ عنه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من قبلك، فقال: “أوصيكَ بتقْوى الله؛ فإنَّه رأس كلِّ شيء”. فالتَّقوى سلاح المؤمن في كلِّ زمان ومكان، وقد سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أكثر ما يُدْخِل النَّاسَ الجَنَّةَ، فقال: “تقْوى الله، وحُسن الخُلق” لذا كانت وصيَّته عليه الصَّلاة والسَّلام لمُعاذ رضِي الله عنه: “يا مُعاذ، اتَّقِ الله حيثُ ما كنت، وأتْبِع السيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بِخُلق حسَن”.