العاصمة… مصالح ولاية الجزائر تجاهلت سكان الأقبية وركزت على سكان القصدير

العاصمة… مصالح ولاية الجزائر تجاهلت سكان الأقبية وركزت على سكان القصدير

كثيرة من عمارات العاصمة تُخفي في طوابقها الأرضية أو أقبيتها، أحياءً سكنية لا تصلها الشمس ولا أعين المسؤولين، حياة شبيهة بحياة التشرّد في الشارع أو العيش في الأحياء القصدرية، فكل هذه الأحياء، يتقاسم سكّانها، المرض والمعاناة وقساوة الطبيعة، وسط إقصاء مفضوح لمصالح ولاية الجزائر في عهد الوالي الأسبق عبد القادر زوخ الذي ركز في عمليات الترحيل على سكان البيوت القصديرية التي استفاد سكانها من أزيد من 100 ألف شقة ليقرر بعدها الوالي الحالي للعاصمة عبد الخالق صيودة إعادة الإعتبار لهذه الفئة من خلال إطلاق مشاريع سكنية لترحيل القاطنين في حجور تحت الأرض.

ينتظر سكان الأقبية ببلدية باب الوادي بالعاصمة، تحرك والي العاصمة عبد الخالق صيودة لترحيلهم إلى سكنات الكرامة بعدما قضوا عقودا من الزمن في بيوت تفتقر لأدنى شروط الحياة الكريمة.

يحصي شارع “بستاني” بباب الوادي 150 عائلة تعيش في جحور تفتقر لأدنى ظروف الحياة الكريمة، حيث راسلوا مصالح البلدية والولاية مرارا لترحيلهم، غير أنهم لم يلقوا من المسؤولين المحليين سوى التجاهل أو الوعود الكاذبة.

وكشف السكان لـ “الموعد اليومي” أن بيوتهم باتت مصدرا للحساسية والأمراض التنفسية المزمنة، نتيجة الرطوبة العالية وغياب التهوية، متسائلا في نفس الوقت عن الأسباب الحقيقية وراء عدم إدراجهم ضمن عملية إعادة الإسكان رغم المخاطر التي تتربص بهم من كل جهة.

وأوضح سكان تلك الأقبية أن السلطات المحلية اكتفت بتقديم الوعود فقط ككل مرة، متجاهلة الظروف القاسية التي تحيط بهم نظرا إلى قدم البنايات وما يترتب عن ذلك من مشاكل، منها قِدم البالوعات وانسدادها ما يجعل المياه تتسرب وتشكل بركا تنبعث منها الروائح الكريهة.

أما في الجزائر الوسطى فيشهد شارع “رو شاراس” سابقًا، العديد من العائلات التي تقطن في أقبية عرضة لمختلف الأمراض والأوبئة بسبب تواجدها أمام قنوات الصرف الصحي، وكشفت دليلة وهي أرملة تقطن رفقة أبنائها الخمسة أن أبناءها تعرضوا في أكثر من مناسبة لعضات الكلاب والجرذان التي عجزت عن إبعادهم عن قبوها وأضافت أنها تنتظر الترحيل في أية لحظة ورعم شكاويها إلا أن لجنة الإسكان ببلدية الجزائر الوسطى لم تزرها ولا مرة للوقوف على أحوالها.

هذه عيّنة من بين مئات العائلات التي لا زالت تسكن أقبية العمارات، في العاصمة أو في مدن أخرى، خصوصًا في المدن الكبرى، إذ تنتظر هذه العائلات الاستفادة من السكن الاجتماعي، وترحيلها إلى سكنّ لائق يليق بسنوات الصبر الطويلة.

على أرض الواقع، لجأ كثيرون في المدن الجزائرية إلى هذه الفضاءات الشاغرة، كمهربٍ مؤقت إلى حين، مكان يقيهم مطر الشتاء وحرّ الصيف، بينما لجأ آخرون إلى بناء بيوت قصديرية وقد ساهمت في هذه الظاهرة العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، أبرزها فترة التسعينات، التي شهدت هجرات جماعية لسكّان القرى الذين كانوا يتعرّضون للإبادة على يدّ الجماعات المسلّحة.

كما يطالب سكّان الأقبية بحي سوريكال في بلدية باب الزوار بترحيلهم، حيث صرح أحدهم قائلا إنّ “هناك ظلمٌ في توزيع السكن، خصوصًا بالنسبة لبعض العائلات التي تسكن الأقبية منذ أزيد من 29 سنة كاملة، ففي كل دورة لانتخابات المجالس الشعبية يقال لنا إنّنا سنكون في رأس القائمة”.

يقطن بحي الجرف وسوريكال وبرج الكيفان ودرقانة، شرق العاصمة، ما يقارب 500 عائلة في أقبية العمارات، بينما تُشير بعض الإحصائيات إلى وجود أزيد من 1023 عائلة، موزّعة عبر بلديات الجزائر العاصمة، تقطن أقبية العمارات، وخصوصًا تلك التابعة للديوان الوطني للتسيير العقاري، إذ تحتلّ العائلات هذه الأماكن بطريقة غير مشروعة في انتظار ترحيلها.

الترحيل يعني مشاريع سكنيّة جديدة، ومعناه في الواقع نشر قوائم المستفيدين في البلديات، غير أنه مع مرور الوقت، تبيّن أنّ هذه المشاريع مجرّد أوهام يسوّقها المسؤولون من فترة لأخرى.

سكاّن الأقبية بحيّ باب الزوّار لم يعترفوا بشرعية القوائم التي أفرجت عنها السلطات المحليّة، وهدّد عدد منهم بالاعتصام أمام مقرّ البلدية حتى تتمّ مراجعة القوائم، إذ تتضاعف مشاكل سكان الأقبية خاصّة مع الدخول المدرسي، على حدّ تعبيرهم.

لا ينفي كثير من الجزائريين، أن الحصول على السكن في هذا الوقت، صار حُلمًا بعيد المنال، إذ يُمكن أن تستمرّ أوضاع طالبي السكن لأزيد من عشرين أو ثلاثين سنة في العراء، في مقابل ذلك، وجد بعض ساكني الأقبية والأكواخ، ضالتهم في هذه الأماكن، هنا، يقول “محمد. ز” إنّ ساكني الأقبية والأحياء الفوضوية، يكونون في الغالب على رأس قائمّة توزيع السكنات الجديدة.

من جهته، يؤكّد عبد الحميد بوداود، الخبير في التهيئة العمرانية، في حديث لموقع “الترا جزائر”، فكرة أن السكن في الفضاءات غير اللائقة، أصبحت وسيلة ضغط على الحكومة للاستفادة من سكنات مجّانية، هنا يقول المتحدّث إن الحيلة تدفع بكثيرين إلى المكوث في أقبية العمارات للحصول على السكن، أو بناء بيوت على حواف الوديان، مُعربًا عن تأسفه، من ظاهرة ظهور قاطنين جدد لتلك الأقبية والفضاءات التي تمّ إخلاؤها.

من وجهة صحيّة، يُعتبر السكن في الأقبية انتحارًا حقيقيًا لقاطنيها، إذ يشتكي سكّانها من تعرّضهم لأمراض مزمنة كالرّبو والحساسية وضعف البصر، إضافة إلى أمراض جلدية خطيرة تسببت فيها رطوبة الطقس وغياب أشعّة الشمس وانعدام التهوية وقنوات الصرف، ما يؤدّي في غالب الأحيان، إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات والجرذان، وهو ما يُنذر بخطورة تفشّي أمراض بين القاطنين قد تؤدّي إلى الوفاة.

رفيق.أ/ الوكالات