2402 جزائري حاول “الحرقة” في 2018
دقت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، ناقوس الخطر، واصفة سنة 2018 “بالسوداء” من حيث الأعداد الهائلة للمهاجرين الذين ركبوا قوارب الموت، حيث كشفت الرابطة أن 2402 حرّاڤ جزائري، حاولوا خلال سنة 2018 العبور إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، كما تمكنت قيادة حرس السواحل من إحباط العديد من محاولات الهجرة في الآونة الأخيرة.
بلغت ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط أرقاما قياسية في السنوات الأخيرة بعدما مست العديد من البلدان، وهو ما دفع بالخبراء إلى دق ناقوس الخطر بغية وضع حد لتلك المجازفات البحرية التي تستنزف المجتمعات اليوم.
حلم الأبناء وهاجس الأولياء
أدت عودة موجات الهجرة غير الشرعية للشباب الجزائري في “قوارب الموت” إلى أوروبا بشكل مكثف في الأسابيع الأخيرة، إلى تضاعف القلق لدى الأولياء الذين باتوا يخشون من خسارة أبنائهم، لاسيما بعد أن ثَبُت أن بعض الذين حاولوا الهجرة في الأيام الأخيرة قصرٌ وأطفال لا يتعدى عمر بعضهم الـ13 سنة، وهو ما يبعث على القلق والتوجس لدى العائلات الجزائرية، وهو ما تثبته مئات المحاولات التي سُجلت في السنوات الأخيرة، وانتهى بعضها بـ”النجاح” في الوصول إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وبخاصة إسبانيا وإيطاليا، بينما كان مصيرُ محاولاتٍ أخرى مأساوياً بعد أن غرقت الكثيرُ من “قوارب الموت” وانتهى الأمر بأصحابها طعاماً للحوت في البحر.
“الحرقة” تسمية محلية لـ “وجع” شعبي
يُعرف المهاجرون السرِّيون في الجزائر باسم محلي شهير وهو “الحرَّاقة”، وكان هذا الوصف يُطلق في العقود الماضية على ركاب القطارات والحافلات العمومية الذين يتهربون من دفع أسعار رحلاتهم، ولكنه أصبح يطلق خصيصاً على المهاجرين السريين أو غير الشرعيين منذ بداية ظاهرة “الحَرْقة” في التسعينيات، وأصبح هذا الوصف يُتداول الآن بشكل واسع جداً حتى من طرف وسائل الإعلام المحلية والقوى السياسية بالجزائر .
وظهرت “الحَرقة” في التسعينيات، وربما في أواخر الثمانينيات، تزامناً مع ظهور الأزمة الاقتصادية واشتدادها بالجزائر، حيث تفاقمت البطالة وبخاصة لدى فئة الشباب، فأصبح الكثيرُ منهم يرى أوروبا بمثابة الخلاص والحل السحري، ولكن بما أن إجراءات “الفيزا” معقدة بسبب التضييق الأوروبي على هجرة الجزائريين إليها، فقد بدأت محاولات الهجرة السرية إليها في ما أصبح يُطلق عليه “قوارب الموت”.
ما بين السعي للإسترزاق والبحث عن “الرفاهية”
يرى الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن هذه الظاهرة “تعدّ تعبيراً صارخاً عن فشل اندماج الشباب الجزائري في مجتمعه”. ويرجع جابي السبب إلى “نسبة البطالة العالية للشباب، وظروفه الاجتماعية والثقافية”. واستغرب تفاقم الظاهرة في بلد بترولي ارتفعت احتياطاته من العملات الصعبة مؤخراً إلى 144 مليار دولار.
لكن الدكتور نور الدين محمد جباب، أستاذ الفكر المعاصر بجامعة الجزائر، لا يرى أن السبب يكمن في البطالة والفقر بل في “رغبة الشباب الجزائري في تحقيق حياة الرفاهية والبذخ التي يتمثلها في ذهنه من فرط تأثره بالثقافة الغربية”، ويستدل جباب على كلامه باكتشاف حالات لشبان “حرَّاقة” أثرياء ضُبطوا على “قوارب الموت”، ويعتبر جباب أن ذلك إحدى نتائج فشل السلطات في “تجنيد الشباب حول مشروع وطني كبير كفيل بحشد الناس حوله”.
“الحرقة” من الطابو إلى تصدر صفحات الأخبار
في التسعينيات، كان هناك تعتيمٌ كبير على أخبار “الحرَّاقة”، فلم تكن تُنشر في وسائل الإعلام المحلية إلا قليلا لاسيما وأن الوضع الأمني المتردي الذي فرضه الإرهاب آنذاك كان يغطي على ما عداه من الأخبار، ولكن بمرور الوقت، تزايد عدد قوارب الموت و”الحراقة” بشكل كبير، وتكسر “التابو” في الألفية الجديدة وأصبحت أخبار إفشال رحلة “حرَّاقة” في عرض البحر، أو غرق قاربهم وتعرضهم للغرق، أو القبض عليهم في سواحل إيطاليا أو إسبانيا والزج بهم في محتشدات قبل إعادتهم، تملأ الصحف اليومية، وأصبح الأمرُ مادة للجدال الإعلامي والسياسي اليومي الذي لا ينتهي إلى نتيجة.
مواقف رافضة لقوانين معاقبة “الحراق”
وأدى التصاعد الكبير لظاهرة “الحَرقة” انطلاقاً من السواحل الجزائرية، وسواحل بقية الدول المغاربية، إلى قيام أوروبا بممارسة ضغوط كبيرة على هذه الدول لضبط تدفق مهاجريها السريين عليها، فقامت الجزائر بتعزيز رقابة سواحلها التي يزيد طولُها عن 1200 كم، بمزيد من فرق حرس السواحل، كما قامت بسنِّ قانون يجرِّم “الحرَّاقة” ويعاقبهم بالسجن وغرامات مالية، فحكمت بالسجن النافذ وغير النافذ والغرامات المالية، على عشرات “الحرَّاقة” المقبوض عليهم. وأثار هذا القانون ردود أفعال واسعة رافضة له، فقالت المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم إنه لا يعقل معاقبة “الحراق” الذي “حاول الهجرة السرية إلى أوروبا لتحسين أوضاعه المعيشية بعد أن سُدَّت عليه منافذ الرزق في بلده”. واعتبرت أن هذا القانون “يسيء إلى المنظومة القانونية الجزائرية” وطالبت بإلغائه. ويؤكد فاروق قسنطيني، أن عقوبة السجن “قاسية” ويطالب بالاكتفاء بـ”فرض غرامة مالية شكلية” على “الحراق” الذي يحاول الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.