قال تعالى: ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ” الحديد: 16، 17. يعاتب الله المؤمنين، بقوله ” أَلَمْ يَأْنِ ” أي: ألم يجئ الوقت الذي تلين به قلوبهم، وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن، وتنقاد لأوامره، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ وفيه هذا الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى، ولما أنزله من الكتاب والحكمة، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك. ” وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ﴾ أي: ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام، ثم لم يدوموا عليه ولا ثبتوا، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم. فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل الله وتناطق بالحكمة، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك، فإن ذلك سبب قسوة القلب وجمود العين.
قد يقول قائل: أنا مقتنع بكل ما سبق ولكنني أجد في نفسي فتورًا وأستشعر ضعف عزيمتي، وإرادتي، مما يجعلني غير قادر على الدعاء بهذا الإلحاح. فالجواب، عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ” رواه الترمذي. فهذا الحديث يضع نقطة البداية لمن ضعفت عزيمته. فقوة الرغبة وشدة الحاجة إلى وجود القلب السليم، واليقين بأن الله وحده هو القادر على ذلك. قال تعالى ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ” النمل: 62. فعلينا أن نستغيث بالله وأن ندخل في جلباب الذل، ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” الأنفال: 9.