قبل الدخول في تفاصيل الهدف التربوي عند ابن باديس ومعرفة الأولويات التي راعاها في ذلك، نذكر بأن الأمة الجزائرية في تلك الفترة كانت مهددة بخطر افتقاد الهوية الذاتية، بضياع شخصيتها وذوبانها في شخصية الأمة الفرنسية، فالاستعمار بذل قصارى جهده لتفريغ هـذا الشعب من مضمونه الإسلامي، وجعله مسخا تابعا له. وفي ظل تلك الظروف القائمة، خاض ابن باديس معركته التربوية الرائدة، التي كان من أهدافها التصدي لتلك الحملة الشرسة. وضع ابن باديس برامجه التربوية لإعداد المتعلمين لحياة تلائم البيئة التي يعيشون فيها، أخذا في الاعتبار ما ينبغي أن يحدث من تغيير في المجتمع، لاسترجاع الحرية والكرامة المسلوبتين. وبين ابن باديس الهدف التربوي الذي يسعى لتحقيقه بأنه: الرجوع بالشعب إلى عقائد الإسلام المبنية على العلم، وفضائله المبنية على القوة والرحمة، وأحكامه المبنية على العدل والإحسان، ونظمه المبنية على التعاون بين الأفراد والجماعات، والتآلف والتعامل والتعاون، وأن لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله، ومن اتقى الله فهو أنفع الخلق لعباد الله فالتربية عند ابن باديس تهدف إلى:
– ترقيـة المجتمـع الجزائـري في “جميـع نواحـي الحيـاة إلى أقصـى ما تترقى إليه الأمم، ليكونوا محترمين من أنفسهم ومن غيرهم، يفيدون ويستفيدون، ويعرفون كيف يسوسون وكيف يساسون، فتربح بهم الإنسانية عضوا من خير من عرفت من أعضائها”. فـإذا مـا تحقـق للشعب الاستعـداد الداخلـي للتغييـر، أو بعبـارة أخـرى: التخلص من القابلية للاستعمار، مصداقا لقول الله تعالى: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “.
– إحداث التغيير الداخلي في الفرد الجزائري، بإرجاعه إلى دينه وتعلمه من مصادره الأصيلة، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، خاليا من البدع والشوائب، ليحافظ على شخصيته العربية والإسلامية.
– تأهيله لتسلق درجات الرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والوصول إلى مصاف الشعوب الراقية، فيسعد في الدنيا والآخرة.
الكاتب محمد حميداتو