إن ما جرته الحرب العالمية الأولى من ويلات على الأمة الجزائرية، ساهم في إيجاد يقظة عامة في معظم طبقات الشعب، وظهور نوع من النضج الفكري والإرادة القوية لتغيير الأوضاع المتردية التي آلت إليها البلاد. وقد أحس ابن باديس بعد سنوات من الجهد المتواصل في التعليم المسجدي والخطب، بضرورة توسيع دائرة دعوته، لتشمل عددا كبيرا من الشعب، فأقدم على استخدام القلم مع اللسان، مستعينا بأدوات العصر لإبلاغ دعوته، وفي مقدمتها الصحافة التي خصص للجانب التربوي فيها نصيبا وافرا. شارك ابن باديس في تأسيس جريدة “النجاح” ، التي كانت في بداية أمرها إصلاحية، ثم انحرفت فتركها ليستقل بصحافته.. وفي سنة 1925م، شهدت الصحافة الإصلاحية انبعاثا جديدا تحت زعامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، فتوحدت الأهواء بعد أن كانت مشتتة، وتضافرت الجهود التي كانت مبعثرة، وتناسقت الأصوات المنادية بالإصلاح الديني والاجتماعي، والرجوع بالأمة إلى منابع الإسلام الأصيلة، كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا اقتحم ابن باديس ميدان الصحافة بنفس العزم والجد الذي عرف به، مفتتحا العدد الأول من جريدة “المنتقد” بقوله: “باسم الله، ثم باسم الحق والوطن، ندخل عالم الصحافة العظيم، شاعرين بعظمة المسؤولية التي نتحملها فيه، مستسهلين كل صعب في سبيل الغاية التي نحن إليها ساعون، والمبدأ الذي نحن عليه عاملون” وانبرت للكتابة في “المنتقد” أقلام كانت ترسل شواظا من نار على الباطل والمبطلين، ثم عطل “المنتقد” ، فخلفه “الشهاب”. ثم أسست جريدة “الإصلاح” ببسكرة، فكان اسمها أخف وقعا، وإن كانت مقالاتها أسد مرمى وأشد لذعا. وكانت مجلة “الشهاب” هـي لسان حال الحركة الإصلاحية، التي قربت بين الأمة وبين قرآنها… وأزالت ما بينهما من جفاء. كانت الصحافة الإصلاحية في زمن ابن باديس في طليعة وسائل التربية والتعليم، فقد ساهمت في نشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، وتبصير العقول، يقول ابن باديس: “وسيكون هـذا الباب من المجلة مجالا لفنون من التذكير، جعلنا الله والمؤمنين من أهل الذكرى، ونفعنا بها دنيا وأخرى”. فكـانت الصحـافـة مـن أمضـى الأسلحـة التي حاربت بهـا الحركـة الإصلاحيـة خصومها، ونشـرت بها أفكارها وتعاليمها.
الكاتب محمد حميداتو