قبل تحديد المصادر التي اعتمد عليها الشيخ عبد الحميد بن باديس في عمليته التربوية، نلقي أولا نظرة سريعة على فلسفته التربوية. إذا كانت العملية التربوية تهتم بتزويد الفرد بمجموعة من المعارف والخبرات، التي تساعده على التكيف مع تغيرات البيئة المادية والاجتماعية، أو بعبارة أخرى تزويد الفرد بخلاصة التراث والحضارة السائدة في المجتمع في وقت وجيز، فإن فلسفة التربية تقدم له المقاييس والمعايير التي يختار على أساسها تلك المعارف والخبرات . أما فلسفة التربية الإسلامية، فهي مستوحاة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، اللذين رسما للمسلم منهج سلوكه في الدنيا، وعلاقته بما حوله في عالمي الغيب والشهادة. والتربية عند ابن باديس هـي التربية الإسلامية، التي تعتبر الطريق السليم لإيجاد المجتمع الإسلامي، وإنقاذ الشعب من وهدة الذوبان في الحضارة الغربية المادية، وعليه فإن المصادر التي اعتمد عليهـا الشيـخ عبد الحميد بن باديس في مسيرته التربوية، هـي نفسها مصادر التربية الإسلامية: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم ” تركت فيكم شيئين، ما إن تمسكتم بهما، لا تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي” . إن اعتبـار كتاب الله تعالى وسنة رسـوله صلى الله عليه وسلم مصـدران للتربيـة عند ابن باديس، له ما يدعمه في تاريخ هـذا الرجل، فقد قضى شطر عمره شارحا لكتاب الله تعالى في حلقات استمرت ربع قرن، واثقا بأن هـذا الكتاب الذي سعد به المسلمون الأوائل، جدير بأن يوقظ هـذا الشعب ويسعده إذا حسنت النوايا وحشدت الهمم. كان -رحمه الله- يفتتح مجلة “الشهاب” بنماذج من تفسيره للقرآن الكريم، تحت عنوان: “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير” ويعلل ابن باديس تركيزه على القرآن الكريم في تربية الأجيال قائلا: “فإننا نربي -والحمد لله- تلامذتنا على القرآن، ونوجه نفوسهم إلى القرآن من أول يوم وفي كل يوم، وغايتنا التي ستتحقق أن يكون القرآن منهم رجالا كرجال سلفهم، وعلى هـؤلاء الرجال الربانيين تعلق هـذه الأمة آمالها، وفي سبيل تكوينهم تلتقي جهودنا وجهودهم”. وأما المصدر الثاني الذي استقى منه الإمام ابن باديس منهجه التربوي فهو: الصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .فقد اعتنى بشرح موطأ إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله وخصص جزءا من “الشهاب” لنشر مقتطفات من ذلك الشرح، تحت عنوان: “مجالس التذكير من حديث البشير النذير”. هذه باختصار أهم المصادر التي اعتمد عليها الشيـخ عبـد الحميـد ابن باديس رحمه الله في مسيرته التربوية.
الكاتب محمد حميداتو