أدرك الشيخ عبد الحميد بن باديس أن المعلم هـو أخطر ركن في العملية التربوية.. وأي مدرسة تهتم بتحقيق أهداف تعليمية وتربوية معينة، عليها أن تنتقي معلميها بدقة، أو تعدهم وتكونهم التكوين المناسب، لتحقيق تلك الأهداف. وأن المعلم الصالح، غزير المعرفة، واسع الثقافة، العارف بنفسية المتعلمين، الملتزم بآداب التعليم، المتصل بالحياة الاجتماعية، عامل أساس في إنجاح العملية التربوية. فمهمـة التدريـس على قدر كبيـر من الأهميـة بالنسبـة للمجتمـع، ولا يمكن لأية مهنة أخرى أن تضاهيها في ذلك. غير أن واقع التعليم في عصر ابن باديس، كان يفتقر لكثير من مقوماته الأساسية خاصة تلك المتعلقة بالمعلمين، يقول الشيخ واصفا ضعف مستوى المعلمين في عصره، سواء في ثقافتهم العامة، أو إلمامهم بفروع المعرفة التي يقومون بتدريسها: “إنه ليقل في المتصدرين للتدريس، من كبار العلماء في أكبر المعاهد، من يكون قد ختم كتب الحديث المشهورة كالموطأ والبخاري ومسلم ونحوها، مطالعة، فضلا عن غيرهم من أهل العلم، وفضلا عن غيرها من كتب السنة”.
الحقيقة أن المستعمر الفرنسي كان يدرك جيدا أهمية الرسالة التي يقوم بها قطاع التعليم وخطرها عليه، فحرص جاهدا لإفراغه من محتواه، ومحاربة القائمين عليه، إلا من عرف أنهم لا يحركون ساكنا ولا يوقظون نائما، ممن لا يفقه كتابا ولا سنة. يصف ابن باديس أولئك بقوله: “فالعلماء -إلا قليلا منهم- أجانب أو كالأجانب من الكتاب والسنة، من العلم بهما والتفقه فيهما، ومن فطن منهم لهذا الفساد التعليمي الذي باعد بينهم وبين العلم بالدين، وحملهم وزرهم ووزر من في رعايتهم، لا يستطيع -إذا كانت له هـمة ورغبة- أن يتدارك ذلك إلا في نفسه.. أما تعليمه لغيره فإنه لا يستطيع أن يخرج فيه عن المعتاد، الذي توارثه عن الآباء والأجداد، رغم ما يعلم فيه من فساد وإفساد”. وبعد اشتداد عود الحركة الإصلاحية، أرسل ابن باديس البعثات العلمية إلى الجامعات والمعاهد العليا في البلاد الإسلامية، مثل جامع الزيتونة، والجامع الأزهر، وغيرهما، استعدادا لما ينتظر الأمة في مستقبل أيامها. لذلك رأى ابن باديس أن إصلاح المعلم وإعداده، إصلاح للمتعلم، بل تصويب للعملية التربوية برمتها. إن دور المعلم لا يقتصر على توصيل العلم من الكتب إلى عقول المتعلمين، وختم البرنامج الدراسي في نهاية الفصل، بل يتعداه إلى بناء شخصية المتعلم، وتنمية عقله، وتهذيب سلوكه، وإعداده لمشاركة القوى الحية في المجتمع.
الكاتب محمد حميداتو