لقد أدركت جمعية العلماء أهمية التربية والتعليم في تحقيق مقاصدها العقيدية والفكرية، فركزت على التعليم الإسلامي العربي، وإنشاء المدارس، وحث الأمة وتشجيعها على إرسال أبنائها إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من أبناء المسلمين، فالتعليم هـو الذي يطبع المتعلم بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته. كما وجهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكا منها بأن المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهر الإسلام… فكما لا مسجد بدون صلاة، كذلك لا مسجد بدون تعليم وعليه، وضعت برامج واسعة لنشر التعليم الديني والعربي للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية، فشيدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشئون الحياة العامة. ولم يقتصر دور جمعية العلماء التربوي والتعليمي داخل الوطن فحسب، بل رافق أبناء الجزائر الذي هـاجروا إلى فرنسا حيث يشكلون جالية كبيرة. فقد تنبهت الجمعية إلى الأخطار المحدقة بأولئك المهاجرين الـمعرضين لخطر الذوبان في الحضارة الأوروبية، والابتعاد عن أصول دينهم، فأرسلت إليهم المعلمين والوعاظ والمرشدين، وأسست النوادي والمدارس لتعليم أبنائهم. وقد كانت جهود الجمعية في هـذا الميدان تدور على محاور ثلاثة:
– إحداث مكاتب حرة للتعليم المكتبي للصغار.
– دروس الوعظ والإرشاد الديني في المساجد العامة.
– تنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة، في النوادي الجمعية والتجنيس حيث كانت سياسة فرنسا منذ وطئت أقدام جيوشها أرض الجزائر، ترمي إلى الإدماج السياسي الكامل لهذا الوطن، وتذويب شعبه في ثقافتها الغربية، تمهيدا لفرنسته وتنصيره. ومع تعاقب الأحقاب، ظهرت بين الجزائريين فئة تربت في مدارس الاستعمار، تدعو وترغب في التجنس بالجنسية الفرنسية، والتخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، بغية الحصول على بعض الحقوق السياسية، ولم تكن جمعية العلماء لتسكت عن هـذه المسألة الخطيرة، بل كانت أول من تصدى لها وحاربها في الخطب العامة، والمحاضرات وفي الصحف، موضحة حكم الإسلام في ذلك.. ولما أصر دعاة التجنس على توسيع دعايتهم، وعقدوا اجتماعهم العام في ربيع سنة 1934م، لمطالبة الحكومة بتسهيل التجنيس، سعيا منهم لتكثير سوادهم، أصدرت جمعية العلماء على لسان رئيسها، الفتوى الشهيرة بتحريم مـن يتجنس بالجنسيـة الفرنسيـة، ويتخلـى عن أحكـام الشريعـة الإسلامية، ورغم المضايقات الشديدة من طرف الاستعمار، حققت جمعية العلماء نجاحا كبيرا في تصحيح عقائد الجزائريين، وتطهيرها من شوائب الشرك، والرجوع بهم إلى منابع الإسـلام الأصيلـة، كتـاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم يستنيرون بها في دينهم ودنياهم.
الكاتب محمد حميداتو