تجدر الإشارة هـنا إلى أنه في سنة 1927م، تم تأسيس “نادي الترقي” في مدينة الجزائر، بجهود بعض رجالاتها، وكان من أهدافه تثقيف مسلمي الجزائر، وإعانة الفقراء، وقد استدعى مؤسسو هـذا النادي، الشيخ “الطيب العقبي” ليقـوم فيه بالوعـظ والإرشـاد على غـرار ما يقـوم به الشيخ عبد الحميد بن باديس في قسنطينة وقد ألقى ابن باديس فيه محاضرة عند افتتاحه، واستمر يتعهده بالمحاضرات ودروس التفسير كلما حل بالعاصمة.. وكان لهذا النادي شرف احتضان الجلسات التمهيدية لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قبل أن يصبح مقرها الرئيس في العاصمة. وفي هـذه الظروف المشحونة بالتحدي والاستفزاز من قبل المستعمر من جهة، وإحساس الأمة الجزائرية التي دب فيها دبيب الحياة بسوء الحال التي هـي عليها، وشعورها بلزوم إصلاح عام يشمل الدين والعلم والاجتماع، من جهة أخرى… في هـذه الظروف ظهرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رسميا للوجود، في 5 مايو سنة 1931م، وقد انتخب أعضاؤها: الشيخ عبد الحميد بن باديس بالإجماع رئيسا لها، في غيابه، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي نائبا له.
فقد جاء على لسان رئيسها: “أن الجمعية يجب أن لا تكون إلا جمعية هـداية وإرشاد، لترقية الشعب من الجهل والسقوط الأخلاقي، إلى أوج العلم ومكارم الأخلاق، في نطاق دينها وبهداية نبيها، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، عليه وآله الصلاة والسلام، ولا يجوز بحال أن يكون لها بالسياسة وكل ما يتصل بالسياسة أدنى اتصال، بعيدة عن التفريق وأسباب التفريق”. ويضيف ابن باديس قائلا: “إن المسلمين هـم السواد الأعظم في وطنهم، فإذا تثقفوا بالعلم، وتحلوا بالآداب، وأشربوا حب العمل، وانبعثت فيهم روح النشاط، كان منهم كل خير لهذا الوطن وسكانه على العموم، بما يسر به الحاكم والمحكوم”. ويختصر لنا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مهمة الجمعية بقوله: “إن المهمة التي تقوم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأدائها، وهي السير بهذه الأمة إلى الحياة عن طريق العلم والدين، هـي أقوم الطرق وأمثلها وأوفقها لمزاج الأمة”. والحقيقة أن جمعية العلماء المسلمين، أدركت بوضوح أن العلة في بقاء الاستعمار جاثما على صدر الأمة دهرا طويلا، تكمـن في ما يسمى بالقابلية للاستعمار، والتي مردها إلى ما طرأ على الشعب من انحراف في عقيدته وفكره، وأن العلاج الصحيح يتمثل في إزالة تلك العلة من أساسها، وهو ما يعبر عنه الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، بقوله: “إن القضية عندنا منوطة أولا بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته”. أو كما قال أحد الصالحين: “أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم” . وذلك مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” الرعد:11
الكاتب محمد حميداتو