الخيم.. قبلة الباحثين عن الذوق المميز

الخيم.. قبلة الباحثين عن الذوق المميز

تعرف الخيم انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة، حيث شهدت عدة مناطق تواجد مثل هذه الأنواع من المطاعم، التي تختص بتقديم الأكل التقليدي على غرار الشخشوخة، الزفيطي وغيرها من الأطباق في أجواء تقليدية بحتة، تسافر بكل من يزورها إلى منطقة الحضنة المعروفة بأطباقها التقليدية المتميزة، التي سحبت البساط من الشاورما والبانيني وغيرها من الأكلات العصرية.

اختار أصحاب هذه المطاعم الابتعاد كليا عن كل ما هو عصري، و التركيز على كل ما هو تقليدي يعكس تراث وعادات وتقاليد منطقة ما، حيث لم يتوقف التغيير بهذا النوع من المطاعم على تحضير الأكل التقليدي، بل تعداه إلى تزيين المحلات بطريقة توحي للجالس فيها، بأنه داخل خيمة أو بيت ريفي تفوح منه روائح الماضي، وهو ما وقفت عليه “الموعد اليومي” عند زيارتها واحدة من هذه الخيم التي تقدم أشهى المأكولات التقليدية، فمن طبق “الزفيطي الحار” أو “شخشوخة الرقاق الحارة” بالمرق الأحمر المعدة بلحم البقر أو الماعز أو الدجاج، إذن ما عليك إلاّ أن تقصد واحدة من هذه المحال، فزيارة واحدة تكفي لتجعلك تشعر أنك جالس في بيت من بيوت الصحراء المفروشة بالزرابي الملونة التي تعكس تراث وتقاليد مدينة المسيلة خاصة، مع حرص القائمين عليها تقديم وجبات تقليدية محضة وفي أواني فخارية لتكتمل البنة مع الديكور الجميل.

“الموعد اليومي” زارت عددا من خيم الأكل التقليدي المنتشرة في ربوع العاصمة، على غرار براقي، القبة، وغيرها من المناطق، التي تشهد إقبالا كبيرا وإنزالا بشريا، سواء خلال فترة الغداء أو الفترة الليلية لتناول وجبة دسمة من التراث الشعبي الجزائري العريق.

عند دخولنا هذه الخيم، خُيّل إلينا أننا نتواجد بعاصمة الحضنة المسيلة، وهذا ما أوحته لنا طريقة تصميم الديكور، من خلال الزرابي التي فرشت على الأرض وكذا على جدرانها، والديكور التقليدي المميز الذي كان يزين كل أرجاء الخيمة، التي تبعث فيك حب اكتشاف الأكل التقليدي الخاص بالمنطقة والمعروف بطعمه الحار ونكهته المميزة.

 

إقبال كبير خلال فصل الشتاء

بعد الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها المطاعم التقليدية المتواجدة في كل بلديات العاصمة تقريبا، حسب ما قاله لنا صاحب إحدى هذه الخيم، أصبح الزبائن الذين يرغبون في تذوّق أكلة تقليدية ما، يعرفون أين يتجهون؛ فمثلا يقول: “على مستوى بلدية القبة تنتشر مطاعم الأكلات التقليدية التي تشتهر بها كل من ولاية بسكرة، والمتمثلة في الدوبارة والشخشوخة الحارة، وولاية المسيلة متمثلة في “الزفيطي” و”شخشوخة الرقاق”، موضحا أنّ الإقبال يكون كبيرا في فصل الشتاء، حيث يميل الأغلبية إلى تدفئة أجسامهم بوجبات ساخنة، علما أنه يكثر الطلب على الشخشوخة والزفيطي والكسرة على وجه الخصوص، بينما يتراجع الإقبال خلال موسم الصيف، عن كل ما هو طبق حار”. وأضاف: “نبادر بتنظيم سهرات، يكون فيها الشاي والمكسرات حاضرَين بقوة”.

 

زبائن منوّعون نهارا والعائلات ليلا

الجو العائلي الذي تؤمّنه الخيمة التقليدية يجعلها مقصد كل شرائح المجتمع، حسب محدثنا، حيث تستقبل خلال النهار، نوعا معيّنا، ممثلين في العمال من الجنسين الرجال والنساء بمن فيهم المراهقون والشباب من الطلبة، بينما في الفترة المسائية تستقبل الخيمة العائلات؛ طلبا لوجبة منزلية تقليدية، مشيرا إلى أن البعض يأتي خصيصا لأخذ وجبة الغداء أو العشاء المحضرة بمحلنا، خاصة أن أسعار الأطباق مناسبة جدا؛ إذ لا يتجاوز سعر الطبق الواحد 250 دج.

 

نظام الدوامين لتنسيق المحل وتأمين الوجبات

وتعمل هذه الخيمات عموما بنظام الدوامين، حيث يتمّ تحضير معدات وجبة الغداء في الصباح الباكر، ومن ثمة استقبال الزبائن ابتداء من الساعة الحادية عشرة، بعدها يغلَق المحل تحضيرا لوجبة العشاء، على أن يتم استقبال العائلات بعد الساعة الخامسة مساء، مشيرا إلى أن الأطباق المحضّرة تختلف، حيث يُعدّ على مدار الأسبوع “الزفيطي” و”الشخشوخة”، بينما في عطلة نهاية الأسبوع يحضّر الكسكسي على الطريقة المسيلية؛ خاصة و أن العاصميين معروفون بتناولهم للكسكسي في نهاية الأسبوع. وحسب محدثنا، فإن أهم ما تراهن عليه الخيمة التقليدية هو تحضير أطباق يومية، على غرار ما تقوم به ربات البيوت في المنزل؛ حتى يشعر الزبون بأنه يتناول وجبة منزلية تقليدية طازجة.

 

ديكور تقليدي يروّج للتقاليد

تؤمّن هذه الخيم إضافة إلى الأكل التقليدي المكان المريح؛ لهذا يقول صاحب إحدى هذه الخيمات: “تعمّدت نصب “القربة” التي يحضَّر بها اللبن بالطريقة التقليدية أمام باب الخيمة في إطار الترويج للسياحة المحلية. كما عمدت أيضا إلى فرش عدد من الزرابي المصنوعة بالمنسج والملوّنة، ولم أكتف بفرش الأرضية وضمان القعدة التقليدية على الأرض، وإنّما حاولت أيضا أن أغلّف جدران محلي بعدد من الزرابي، ليشعر الداخل إليه أنّه حقيقة في خيمة”.

ومن جملة الإكسسوارات التي أسهمت في خلق جوّ مميّز بالخيمة تعليق بعض الأواني والألبسة التقليدية على جدرانها؛ كالقبعة والحصيرة المصنوعة من الحلفاء وقفّة الدوم، فضلا عن تعليق بعض صور سكان المسيلة، والتي توحي للزبون بأنّه حقيقة في أحضان ولاية أخرى، كما حرص صاحب المحل على تقديم الأكلات التقليدية المحضرة كالشخشوخة في الأواني الفخارية، بينما يقدّم “الزفيطي” في مهراس الخشب، ويؤكل بالملاعق الخشبية حتى يشعر الزبون، على حدّ قوله، بأنه في بيئة تقليدية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، موضحا، في السياق ذاته حرصه على تأمين كل ما هو تقليدي في الخيمة، إلى جانب أنه نشاط تجاري يدخل في إطار الترويج السياحي لتراث الولاية، خاصة أن خيمته يزورها على مدار السنة، عدد من السياح؛ يقول: “زارنا أفواج من السياح الأمريكان والأتراك ومن فرنسا وسوريا”، مشيرا في السياق ذاته إلى أنه سعى في إطار الترويج السياحي للأكل التقليدي، إلى ربط علاقات مع فنادق؛ لتمكين الأجانب من اكتشاف الموروث الجزائري في مجال الطبخ التقليدي.

 

الخيمة بدل “فاست فود”

الوعي بأهمية الأكل الصحي الذي لعبت فيه وسائل الإعلام دورا كبيرا من حيث التوعية والتحسيس بخطورة الأكل السريع وما يسبّبه من أمراض مزمنة، جعل عددا كبيرا من المواطنين يبتعدون عما تحضّره محلات الأكل السريع، ويبحثون عن كلّ ما هو تقليدي، ولعلّ هذا ما ساهم، حسب القائمين على هذه “الخيم “، في إنجاح محلات الأكل التقليدي، التي فتحت المجال واسعا للشباب للإستثمار فيها.

لمياء. ب