يصاب العديد من الناس في فصل الشتاء ببعض الحزن وقلة النشاط، ويرى البعض أن شهر الشتاء يعني اختفاء المرح وبداية الجدية التي كانت في عطلة صيفية.
ولهذا يعتبرون أن هذا الفصل موسم الاكتئاب والإحباط والبدانة، وهذا ما يدعى بالإكتئاب الشتوي، أو الاضطراب العاطفي الفصلي، ويعتقد أنه موجود أكثر مما يُشخّص، وقد يمضي دون تشخيص لأن الحالة قد لا تكون أكثر من إحساس المرء بالضيق والحزن أو إحساسه أنه غير سعيد، ومن المعروف أن “الاكتئاب الشتوي” يصيب المرأة بصفة أكبر، ويبدأ ظهوره مع فصل الشتاء ويسبب انقباضا نفسيا حادا وسوء التركيز وهو يصيب المرأة ثلاثة أضعاف الرجل.
ويرجع الباحثون أسباب هذه الحالة إلى أنه بحلول الشتاء وتراجع الإضاءة يحدث خلل في مستويات إفراز هرمون “الميلاتونين” الذي ينظم عملية النوم، كما يقلل إفرازات الموصلات المسؤولة عن السعادة. ويطلق الأطباء النفسيون على هذه الحالة النفسية التي تصيب بعض الناس في فصل الشتاء بـ “الشتاء الأزرق” ويرون أن هناك أسبابا عديدة لهذه الحالة.
وللاكتئاب أنواع متعددة أحدها هو الاكتئاب الموسمي الذي له علاقة بفصل الشتاء والصيف وهو يحدث بصفة دورية للإنسان، ويظهر في فترة الشتاء التي تتميز بقصر النهار وطول مدة الليل وقلة فترات سطوع الشمس وتكاثر السحب ويميل الجو إلى الظلام وعدم وضوح الرؤية في فترة الصباح، مما يكون له أثر مباشر على الإنسان لظهور موجة الاكتئاب.
ومرض الاكتئاب الشتوي معروف طبياً بهذا الاسم، ويعاني منه البشر منذ القدم ولا يصاب به الذين يعيشون بين خطي العرض 30 شمالاً وجنوباً؛ حيث هناك وفرة من الشمس والضوء وعدد ساعات النهار أطول بكثير من ساعات الليل، ويظهر بشكل واضح في البلاد القريبة من قطب الكرة الشمالي، حيث يكون الليل عندهم (6) أشهر والنهار (6) أشهر، أي أن الإنسان يعيش ستة أشهر متصلة بدون ضوء الشمس وكأنه في ليل متصل.
أما أعراض هذا المرض الشتوي، فأوضح الباحثون أن تلك الحالة تدفع جسم الإنسان نحو حالة من الركود والخمول تؤدي لعدم قدرته على إنتاج الطاقة الكافية، ويبدأ الإنسان في الشعور بالتعب النفسي والجسدي، أما الأعراض والعلامات التي يتظاهر بها هذا الاضطراب فهي:
ـ1 ـ الإحساس بنقص الطاقة.
ـ2 ـ الضيق والقلق.
ـ3 ـ التململ وعدم الراحة.
ـ4 ـ الصداع.
ـ5 ـ زيادة الرغبة في النوم.
وكما ذكرنا أن تراجع الإضاءة يحدث خللا في مستويات إفراز هرمون “الميلاتونين” الذي ينظم عملية النوم.
ـ6 ـ نقص الرغبة الجنسية.
ـ7 ـ زيادة الرغبة في تناول الطعام من السكريات والنشويات مما يؤدي إلى زيادة الوزن
كما أكدت دراسة أمريكية حديثة، أجراها باحثون بولاية تكساس أن مرضى الإكتئاب الشتوي معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالبدانة، بسبب إلتهامهم لكميات كبيرة من الطعام، خاصة أن بعضهم يتناول الطعام ذا السكريات البطيئة الاحتراق مثل الأرز والمعجنات خلال الوجبات الرئيسية أو خارجها، وتؤدي هذه الحالة إلى تخزين المواد الكربوهيدراتية بالجسم وعدم القدرة على التعامل معها بالشكل الصحيح، مما يقود للبدانة وزيادة الوزن، وبعد ذلك يجد الإنسان نفسه متعباً بصفة دائمة.
وصرح الباحثون من مدرسة الصحة العامة في مدينة “هيوستون “بولاية تكساس الأمريكية، بأن هذا الميل لإلتهام الطعام يعد أحد الفروق الأساسية بين مريض الاكتئاب الشتوي الموسمي وغيره من المرضى بأنواع الاكتئاب الأخرى.
أما علاج هذا المرض، فالطبيب وحده القادر على وضع التشخيص الصحيح، والذي يعتمد على حدوث الأعراض والعلامات المذكورة لمرتين متتاليتين خلال شتاءين متتاليين، وزوال تلك الأعراض والعلامات أثناء الربيع والصيف، وعدم وجود أسباب أخرى لتلك الموجودات السريرية.
ويختلف شكل الدواء ونوعه بحسب حالة كل شخص، فهناك العلاج الدوائي بمضادات الإكتئاب والعلاج النفسي مثل الجلسات النفسية والعلاج السلوكي والعلاج المعرفي.
ـ1 ـ العلاج الضوئي:
يشكل العلاج الرئيسي لمعظم المرضى حيث ينصح بالتعرض لضوء الشمس يومياً، ووجد الباحثون أن للعلاج الضوئي في بداية فصل الشتاء آثارا إيجابية على مزاج الإنسان في بعض الحالات وقد يمنع أحيانا تقدم حالات الاضطراب الموسمي إلى مراحل أسوأ، ومن حسن الحظ أن معظم البلدان العربية بفضل الله تتمتع بشمس مشرقة طوال الأيام إلا أياماً قليلة التي تحدث بها تقلبات جوية مختلفة.
يشكل الضوء علاجا فعالا لحالة الإكتئاب التي تدعى “الاضطراب العاطفي الموسمي (إس آي دي)”.
وتدعم دراسة نشرت في مجلة الطب النفسي الأمريكية اختراعات تقوم ببث جزيئات أوكسجين مشحونة بشوارد سالبة، ويؤثر الواقع الذي يمكن أن تحدثه الآلة الجديدة على حياة الآلاف من البشر في بريطانيا.
وينصح الخبراء في بريطانيا الآن بأنواع من العلاج، كالعلاج بالضوء وتغيير النظام الغذائي وزيادة التمارين الرياضية للتغلب على المشكلة.
فالتعرض لأشعة الشمس يساعد الجسم على إنتاج مادة “السيروتونين”، وهي مادة كيماوية تعزز مشاعر الارتياح لدى الإنسان.
ويمضي العديد من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشتوي قرابة ثلاثين دقيقة أو أكثر يوميا يجلسون خلالها تحت مصباح نور باهر ليتمكنوا من التغلب على حالة إس آي دي، إلا أن “آلة محاكاة الفجر” هذه تعمل عندما يكون الشخص نائما.
ـ2 ـ العلاج الدوائي:
يمكن استخدام مضادات الاكتئاب لوحدها أو مشاركة مع العلاج الضوئي، وهذه الأدوية تؤثر على النواقل العصبية الدماغية مؤدية لتحسين المزاج ومن تلك الأدوية: المثبطات الانتقائية لإعادة أخذ” السيروتيد” وكذلك مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات وغير ذلك من الأدوية.
ـ3 ـ العلاج بالكلام:
حيث يشرح الطبيب للمريض كل ما يتعلق بالمرض والعوامل التي تساعد على حدوثه وتلك التي تخفف منه، وكما يقال فإن نصف العلاج معرفة السبب. هذا النوع من العلاج يمكن أن يشارك مع العلاج الدوائي أو الضوئي.
ويمكن للمريض أن يساهم في العلاج ويساعد نفسه بالقيام بما يلي:
ـ1 ـ إتباع نظام جيد للنوم والاستيقاظ.
ـ2 ـ ممارسة الرياضة في الأوقات التي تشرق فيها الشمس شتاءً.
ـ3 ـ السماح لأكبر كمية من الضوء بالدخول للمنزل بفتح الستائر بالكامل أو بزيادة عدد نوافذه وكذلك زيادة الإضاءة الكهربائية.
ـ4 ـ زيارة المناطق المشمسة الدافئة شتاءً “كمنطقة الخليج العربي”.
ـ5 ـ القيام بالتمارين كالمشي بشكل منتظم لأن ذلك يخفف الشدة النفسية والنرفزة التي تزيد من مشاكل الاكتئاب.
ـ6 ـ تجنب العزلة مع تنظيم مواعيد لعقد لقاءات مع الأصدقاء، ولا يقتصر الخروج على العمل فقط.
ـ7 ـ تناول بعض الأغذية التي تخفف حدة الشعور بالإحباط مثل البيض والسمك واللبن والخضروات والبقوليات والحبوب كاملة القشرة والشوكولاطة والموز.
ق. م