الشباب والعبادة

الشباب والعبادة

 

إن العبادة في الشباب كما قال العيني: “أشد وأشق، لكثرة الدواعي، وغلبة الشهوات، وقوة البواعث على إتباع الهوى”. وهو كذلك، فإن فورة الشباب شعبة من الجنون، وداعي الهوى فيها كبير، وبخاصة إذا اجتمع معها المال والفراغ وصحة البدن، وهي كلها أعوان الشيطان على الشاب، فإن استمسك وتجلد، وغالب نفسه وهواه، فقد سلم ونجا. ولذلك حرَص النبي صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بهذه الفترة من العمر، وضرورة استثمارها في ما ينفع في الدنيا والآخرة، فيصير الشباب ادخارا وغنيمة، وليس وبالا ونقمة. قال صلى الله عليه وسلم: “اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حَياتَك قبلَ موتِك، وصِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، وفراغَك قبلَ شُغْلِك، وشبابَك قبلَ هَرَمِك، وغِناك قبلَ فقرِكَ” صحيح الجامع. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تزولُ قدَما العبدِ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناهُ، وعن شبابهِ فيما أبلاهُ، وعن مالهِ من أين اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ، وعن علمهِ ما عمِلَ به” صحيح سنن الترمذي.

فإذا سئل عن عمره كاملا، فإنه سيخصص بالسؤال عن فترة الشباب من هذا العمر، لأن من شغلها في طاعة الله فقد فاز. وقوله صلى الله عليه وسلم: “نشأ في عبادة ربه”، إشارة إلى صلاح البيئة التي تحوط هذا الشاب، والتي تقتضي صلاح الأبوين، ومعرفتهما بطرق التربية، وسلامة التعامل مع الأبناء، إذ الفرع غالبا تابع لأصله. والمقصود بالنشوء في عبادة الله، التربية عليها والنماء منذ الصغر. قال المباركفوي: “نَشَأَ، أي: نما وتربى لا في معصية، فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه”. فهذا تكون العبادة طابعا له، لا ينفك عنها. ولذلك قال سلمان رضي الله عنه: “ورجلٌ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله”. وليست حقيقة النشوء في العبادة الانقطاعَ عن الدنيا ومتطلباتها، بحيث ينزوي عن الناس، ويركن إلى المسجد والعبادة، لا يعرف غيرهما، مفصولا عن العالم الخارجي، لا يشارك في بناء وطنه، ولا ينخرط في النهوض بأمته، ولا يعير اهتماما لقضايا مجتمعه.. بل المقصود أن يجعل كل هذه الأعمال سبيلا لمرضاة الله، وطريقا على منهج الله، فيكون في عبادة وقربى في مصنعه، وفي وظيفته، وفي حرفته، وفي دراسته، وفي تنفيذ مسؤولياته وصلاحياته.

موقع إسلام أون لاين