الشباب والانحراف

  الشباب والانحراف

 

إن من أعزِّ أمنيات الإنسان، ومن أكبر ما يطمح إليه في دنياه – أن يرزقه الله ذريةً طيبةً، وولدًا صالحًا يَبَرُّهُ ويدعو له؛ قال تعالى: ” رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ” الفرقان: 74، الأبناء مصابيح البيوت وقرة العيون، وفِلْذات الأكباد تمشي على الأرض، هم بهجة الدنيا، ونبض الحياة، وهم أحباب الرحمن، وهِبَةُ المنَّان، وهم زهرة اليوم، وثمرة الغد، وأمل المستقبل، بنجاحهم يُقاس تقدم الأمم، وبسواعدهم تُبنى الأمجاد وتعتلى القمم، وصدق الله: ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ” الكهف: 46، وفي الحديث: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم، والأبناء أمانة الله في أعناق الآباء، وودِيعتُهُ بين أيديهم، وتربيتهم والعناية بهم فريضة ومسؤولية من أعظم المسؤوليات؛ “ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته”، والتربية تعني صناعة الإنسان، وتعني تشكيل مُسلَّماته وقِيَمِهِ ومعتقداته، كما أنها توجيه للفكر، وتهذيب للسلوك، وتقويم للأخلاق؛ قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” التحريم: 6.

قال ابن عمر رضي الله عنه لرجل: “أدِّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك: ماذا أدبته؟ وماذا علَّمته؟ وإنه لمسؤول عن بِرِّك وطواعيته لك”، والتربية الصحيحة هي التي تبني في نفس الناشئ الفضائلَ، وتصونه من الرذائل، التربية رعاية شاملة لشخصية الإنسان، بهدف إيجاد فرد متوازن يعبد الله، ويعمر الأرض، ويستعد للآخرة، والشباب هم ثروة الأمة الغالية، وهم ذُخْرُها الثمين، هم أمل الأمة، وعُدَّةُ المستقبل، وروح المجتمع، والعصب الفعَّال في حياة الأمم، وفي المقابل فإن انحرافهم هو أعظم ما يشغل المهتمون والغيورون، ومن أهم القضايا التي تقلق الآباء والمربين، فمنحرف اليوم هو مجرم الغد ما لم تتداركه عناية الله، والمتأمل في شؤون الشباب اليوم، يلحظ بسهولة مدى ازدياد مستوى الانحراف بينهم، وبشكل مضطرد، وأبرزها: الانحرافات الأخلاقية، وهجر الصلوات والمساجد، وتعاطي المواد الممنوعة من دخان وشيشة ومُخدِّرات، كما يلحظ تزايدًا مخيفًا في جرائم الشرف والزنا والتحرش، والعلاقات المحرمة بين الجنسين، وكذلك ما يتعلق بانحراف العقائد، واعتناق الأفكار الإلحادية التي تُشكِّك في ثوابت الدين ومسلماته، وأغلب ذلك يأتي تقليدًا أعمى لليهود والنصارى، وصدق مَن لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم القائل: “لتتَّبِعُنَّ سَنَنَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟” رواه الشيخان.