الشاعر “بشيــر جـــنّــــان” لـ “الموعد اليومي”: مشاركتي في “بردة الجزائر” أجمل فرصة قدمت لي

الشاعر “بشيــر جـــنّــــان” لـ “الموعد اليومي”: مشاركتي في “بردة الجزائر” أجمل فرصة قدمت لي

 

قامة أدبية بأتم معنى الكلمة، يتميز بشعره الرصين وصوته الجهوري الذي يجعلك تنجذب إلى نبراته وهو يطربك شعرا، كانت له صولات وجولات، آخرها مساهمته المتميزة في العمل الأدبي الضخم الموسوم ببردة الجزائر، وقد اغتنمنا هذه السانحة لنحاوره.

 

بداية مرحبا بك على صفحات جريدة “الموعد اليومي”، قدِّم نفسك للقرّاء الكرام.

أوّلا شكرا جزيلا الأستاذ حركاتي على هذه الفرصة الجميلة، وهذا اللّقاء الحميميّ الذّي جمعنا فيه الحرف واليراع. أمّا فيما يخصّ التّعريف بي، فأنا الأستاذ: بشير جنّان، وظيفتي أستاذ بالتّعليم الثّانوي، خبرة: 29 سنة، خرّيج جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة ـ قسنطينة، الدّفعة الثّالثة (جوان 1990م)، باحث دكتوراه، تخصّص: دراسات معاصرة في الفقه وأصوله.

 

كيف كانت بدايتك مع الحرف ووجع الكتابة؟                                                        

في الحقيقة وكالكثير من أهل الحرف، كانت الكلمات تداعبني منذ الصّغر، في مرحلة التّعليم الابتدائي، وخاصّة في المتوسّط. لقد كنتُ أبحث عن نفسي في عدّة ألوان من الفنّ، فحاولت الرّسم والموسيقى والغناء والخاطرة، ثمّ ألقى بي القدر على شاطئ وادي عبقر، فمسّني بعض جنون الشّعر وشيءٌ من سِحرِ القريض، ومنذ ذلك الزّمن ولحدّ السّاعة وأنا أتعاطى الحَرف، وأحاول تسلّق رواسيَ الشّعر. عّلني أكسب ودّه أو أفوز بحبّه.

 

ماذا تمثِّل لكَ الكتابة في هذا الزّمن الذي أصبحت فيه القراءة شيئا غريبا وانحصرت بين فئات قليلة؟     

لقد أحسنتَ الوصف أستاذ حركاتي عندما نسبتَ الغُربة للقراءة، فلقد أصبحت القراءة وأهلها غرباء فعلًا، وهكذا سُنّة التّدافع في الحياة؛ إذ كلّما تمدّدت مساحة الجهل – ولا أقصد الأميّة، انحسرت مساحة العلم، وانكمش أفق الحرف، وضاق الجمال ذرعًا بالنّفوس القذرة، وازداد وجعًا من نتاجها الرّاكد الفاسد، وتضاعف ألمه من بضاعة العقول العليلةِ المفسدةِ. فاختل ميزان العدل، ورجحت كفّة الرّداءة والعفن بدل الجمال والفنّ. وفي مثل هذه الظّروف تزداد صعوبة تجربة الكتابة، وتتضاعف درجة غُربتها؛ حيث تتأثّر بهذا الواقع المرّ، فتصبح أغلبُ تجاربها رسمًا للحزن، وترجمة للآلام، وارتدادًا للأوجاع.

 

حدّثنا عن إصداراتك، وهل أنت راض عنها؟                                                            

في الحقيقة ما زال الأصدقاء والزّملاء يدفعونني دفعًا إلى إخراج مُحاولاتي المتواضعة إلى القرّاء، ولكن ولحدّ الآن لم تر هذه المحاولات نور الطّباعة والإصدار، وربّما هذا راجعٌ إلى طبيعة الوظيفة وكثرة الانشغالات، وتراكم أعباء واجبات ومُتعلّقات البحث الأكاديمي، وما أُبرّئ نفسي من كسلها وضعف عزمها. فدعواتكم أن أتغلّب عليها.

 

ما رأيك بكل صراحة فيما يصدر عن المطابع ؟                                                         

في الحقيقة ورغم ما نلحظه من (كثرةٍ) فيما يصدر عن المطابع، ومع احترامي الكامل لكلّ المحاولات والتّجارب، غير أنّني أقول وبصراحةٍ، ورغم الألم والوجع: لقد طغت عقليّة (الكمٍّ ) على (الكيفِ ) في كلّ الميادين، ولم تسلم- وللأسف الشّديد – الكتابة من هذه العِلّة الخطيرة، وهذا الدّاء العويص. وسيبقى سرّ النّجاح في الحياة عمومًا، وفي الكتابة خصوصًا هو معيار الكيف، وربّما ليس الخلل فيمن يكتب، بقدر ما هو فيمن يطبع، ولأنّ  الدّافع الرّئيس وراء ذلك كلّه هو الرّبح الماديّ السّريع قبل كلّ شيء.

 

بمن تأثرت في بداياتك؟ ولمن تقرأ؟                                                                      

لا تسلم النّفس الإنسانية من التأثّر والتّأثير، وككلّ إنسان يحاول الشّعر ويمخر عباب هذا المحيط، أجد نفسي قد تأثّرت ببعض روّاد سفينة الشّعر وقادتها، قديمًا وحديثًا، منهم: المتنبّي والبّحتري والمعرّي وغيرهم، وكذا في هذا العصر، منهم: مفدي زكريا، ومحمد مهدي الجواهري، وعبد الرزّاق عبد الواحد، ونزار قبّاني، ومحمود درويش، وغيرهم.

 

الساحة الأدبية تعج بعدد كبير من الرّوائيين والشّعراء والكتّاب فمَن منهم يشدُّك أكثر إليه؟ 

في الحقيقة روحي تهوى الجمال، وتحبّ كلّ جميلٍ، ونفسي تميل إلى كلّ إبداعٍ، أمّا بالنّسبة للشّعراء فكما أسلفتُ الذّكر، وربّما أكثرهم تأثيرًا عليّ في هذا العصر: الجواهريّ، عبد الرزّاق عبد الواحد، محمود درويش، ومحمّد عبد الباري، وغيرهم. وأمّا في الرّواية فقد قرأت في صغري وتأثّرت بكتابات مصطفى المنفلوطي، الرافعي، طه حسين، وجبران خليل جبران وغيرهم الكثير.

 

ماذا أضاف لك الفضاء الأزرق؟ وما نصيحتك لمن يلجأون إليه من الكتّاب والأدباء؟         

الفضاء الأزرق كغيره من آليات التّكنولوجيا الحديثة، وما تُتيحه من التّعارف والتّواصل الاجتماعي، رغم ما فيه من سلبيات إلّا أنّ إيجابياته لا تخفى على كلّ ذي لبٍّ؛ إذ سمح لأصحاب الحرف والإبداع بأن يتواصوا مع بعضهم البعض، وأن يتبادلوا تجاربهم، وأن تتلاقح إبداعاتهم، رغم بُعد المسافات بينهم، فصار وسيلة أكثر سرعة لنقل الإعلانات والأخبار الثّقافية والفكرية. وما يُنصح به لكلّ روّاده من الكتّاب والأدباء هو استغلال جانبه  النّافع الإيجابي، والذّي يمكّنهم من الدّفع بالحركة الأدبية والثقافية قُدُمًا نحو الرّقيّ والتطوّر، والاستفادة من التّجارب المختلفة، سواء محليًّا أو وطنيًّا أو إقليميًّا أو حتّى عالميًّا.

 

كانت مشاركتك في مهرجان عين تافتيكا للأدب والإبداع مميزة. كيف تقيم ذلك من جهتك؟                                                                                    

في البداية أتوجّه بأصدق عبارات الشّكر، وأجمل صِيغِ العرفان إلى كلّ أعضاء جمعية عين تافتيكا بمدينة العلمة المضيافة، على كرمهم وحُسن استقبالهم وضيافتهم لنا، وهذا من جميل أخلاقهم، وليس غريبًا عنهم. فقد كان المهرجان رائعًا من جميع النّواحي، سمح لأصحاب الحرف والإبداع الأدبي – من عدّة ولايات من وطننا الحبيب- باللّقاء والتّعارف، وتلاقح الأفكار والتّجارب، والاحتكاك أكثر، قصد المشاركة في تطوير الفعل الثقافيّ وتفعيله، وتقريب المشهد الثقافيّ من القارئ والمستمع، والرّفع من مستوى الأدب الجميل، والفنّ الرّساليّ. فشكرا لهم مرّةً أخرى.

 

ما رأيك في المجلة الصادرة عن هذا المهرجان؟                                                            

المجلة رغم قلّة صفحاتها، ولكن أدّت الغرض شكلًا ومضمونًا، ووصلت إلى الهدف المبتغى إلى حدٍّ بعيدٍ؛ إذ تمكّن المشرفون عليها من إيصال الفكرة التي أريد الوصول إليها. رغم بعض الهنّات القليلة جدًّا وغير المؤثّرة تمامًا على الهدف المرجو. وأملي كبير جدّا في قدرة القائمين على الجمعية لتطوير هذه المجلة، فبارك الله جهودهم وأنفاسهم.

 

ما هي أمنيتك؟ وما مشاريعك؟                                                                       

رجائي وليس أُمنيتي – لأنّ الرّجاء يصحبه العمل- أن أرى المشهد الثقافي بكلّ أطيافه وأجناسهِ، راقيًّا متطوّرا في بلدي، يؤدّي رسالته على أكمل وجهٍ، وأن تُزال العقبات من طريق الذّين يريدون الإبداع، وتُزاح العراقيل التّي من شأنها أن تكبح جماح أهل الحرفِ الذين يصبُونَ إلى الأرقى والأنقى، وإلى الأفضل والأجمل، وأن يسود الكيف على الكمِّ. فالأمّة العربية والإسلاميّة تُعاني من ويلاتٍ الكمِّ منذ زمنٍ بعيدٍ، عاد عليها بالخسران المبين، والانكسار بدل الانتصار، وبالخيبات الـمُتكرّرة عبر الزّمان. أمّا عن مشاريعي فيكفي أنّي أشارك في النّهوض بالمشهد الثقافي في بلدي، بكلّ ما أملك من جهدٍ، وفي انتظار أن يرى ديواني النّور، دعواتكم لي أن أتغلّب على نفسي، وأثقال الواجبات، وأعباء الالتزامات.

 

بماذا تنصح كل الكتّاب والشّعراء المبتدئين؟                                                            

أنصح نفسي كما أنصحهم بكثرة القراءة كيفًا، والمطالعة نوعًا، كلٌّ بحسب رغباته وميولاته الشّخصيّة، وكذا الاحتكاك بمَن سَبقهم بالتّجربة، وحنّكته الميادين، قصد تطوير المواهب وتنمية القدرات، وكذا تقبُّل النّقد من أهلهِ بصدرٍ مُنشرحٍ رحبٍ، مع الرّفع من سقفِ الهِمّةِ وعدم اليّأس، والتّزوّد بالأملِ مع العملِ، والزّيادة في درجة الطّموح. وألا يحتقروا أنفسهم، فقد قيل: “الــزّيــرُ تسنُدهُ نــواةٌ “، وألا يُفسدوا صَحْوَ اليّوم بغيومِ الغدِ. وأن يتذكّروا أنّ (الهُدهُدَ ) ذلك الطّائر الصّغير كان سببًا في هداية أمّةٍ.

 

كيف كان شعورك وأنت تشارك في بردة الجزائر؟

كانت فرصة جميلة ورائعة، جمعتنا الأقدار من خلال (بردة الجزائر) مع مجموعة من الشعراء القادمين من عدة ولايات من الجزائر الحبيبة وبعض من الشعراء من بلدان عربية شقيقة (سوريا وفلسطين) احتفالا بعيد الإستقلال تقاسمنا من خلالها حبنا لهذا الوطن الغالي وجددنا من خلالها العهد مع هذه الأرض العزيزة، أرض الشهداء وقبلة الأحرار. ولايفوتني هنا أن أتوجه بالشكر الخالص لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذا العمل الفني الراقي والتاريخي الرائع فحتى الجمهور كان راقيا جدا فشكرا لكل من حضر.

 

ما رأيك في الحركة الأدبية محليا ووطنيا؟

نهضة لابأس بها وإستفاقة شهد لها بالنضج في الغالب رغم غلبة الكم على النوع في بعض المناسبات، ولكن عموما نلحظ بوادر النهوض من بعد الكبوة وملامح الإستفاقة عقب الركود الثقافي، كما أسجل بزوغ فجر بعض المبدعين والموهوبين من البراعم في شتى أنواع الأدب والفنون تحتاج فقط إلى رعاية أكثر إلتفاتة اوسع حتى تظهر بصمتها ويتجلى إبداعها للعيان ويفصح صبحها لكل ذي عين ويبقى الإصرار على السؤال والبحث مع التفاؤل عنوان حياة العباقرة ولو كانوا صغارا.

 

 

كلمة أخيرة لقراء الجريدة؟                                                                       

أجدّد شكري لك أستاذ حركاتي على هذا الحوار الجميل، وهذه الفرصة الطيّبة، ومن خلالك أوجّه شكري كذلك للقائمين على جريدة “الموعد اليومي”، متمنّيًا لها النّجاح والتوفيق في أداء رسالتها النّبيلة، وأقول لقرّاء “الموعد اليومي” استمتعوا بقراءة هذه الجريدة الواعدة، التي تريد الارتقاء بقرّائها إلى ما هو أرقى وأسمى وأنقى. فوفّق الله الجميع.

حاوره: حركاتي لعمامرة