الشاعر المتصوف والقاضي المحنك محمد بن يعقوب: استلام الوثائق الثمينة ومخطوطات أشعار الشاعر

الشاعر المتصوف والقاضي المحنك محمد بن يعقوب: استلام الوثائق الثمينة ومخطوطات أشعار الشاعر

قصد الحفاظ على إرث الشاعر الصوفي محمد بن يعقوب ومساهمة في حماية التراث الثقافي وتعزيزه، استلمت الجمعية الثقافية محمد بن يعقوب بمدينة عين الصفراء ولاية النعامة الوثائق الثمينة ومخطوطات أشعار الشاعر المتصوف والقاضي المحنك محمد بن يعقوب من طرف رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين – فرع النعامة السيد أحمد بن شريف الذي تلقاها من طرف ابن المرحوم منتصف الثمانينيات، قصد الحفاظ عليها وأرشفتها وطبعها، وكذا البحث في مضمونها وتحليلها من طرف المهتمين، وهذا بحضور نخبة من مثقفي المنطقة كمدير إذاعة النعامة الجهوية والدكتور عبلة محمد أستاذ بجامعة أمريكا والفنان لطفي كفتونة من ولاية تندوف وكذا وجوه إعلامية وثقافية من المدينة، وذلك بملحقة دار الثقافة بغدادي بلقاسم وهذا في إطار سلسلة التنقيب عن مآثر هذه الموسوعة.

ويأتي هذا اللقاء تنفيذا لتوصيات اليوم الدراسي الذي تم تنظيمه السنة الماضية   تحت شعار “من تراثنا الإسلامي” حول تخليد أعماله، هذا، كما تطمح الجمعية إلى تنظيم ملتقى وطني يخلد أعماله من طرف أساتذة جامعيين، كما تطلب من كل من له أي وثائق أو مخطوطات حول أعماله التقرب من الجمعية خاصة المهتمين بالشعر الصوفي من ولايات بشار، تلمسان ووهران أو حتى من المغرب الشقيق، باعتبار أن الشاعر كان كثير التردد بهذه المناطق.

ويعد محمد بن يعقوب الشاعر المتصوف والقاضي المحنك من عظماء عصره، فهو من الطبقة الأولى لشعراء عصره كأمثال الشاعر مصطفى بن براهيم الذي كان شاعرا وقاضيا، وعبد الله كريو وأحمد بن قيطون والشيخ سماتي وغيرهم، ولد سنة 1869 بقصر الصفيصيفة من أسرة محافظة شريفة ذات علم وجاه، تلقى تعليمه الأول بقصر صفيصيفة بالكتاتيب، فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم على يد مشايخها، ثم انتقل إلى المغرب الأقصى وبالضبط بمدينة وجدة (احفير) ومدينة فاس لمواصلة دراسته، ليعود إلى مدينة تلمسان الجزائرية وهذا قصد تفقهه في الدين على المذهب المالكي ودرس السيرة النبوية ومناقب الصحابة رضي الله عنهم، كما درس قواعد اللغة العربية والعروض ليرجع بعدها إلى مسقط رأسه الصفيصيفة أين عمل خوجة عند السيد مسعد الحاج محمد الذي كان – قايد – بالصفيصيفة وزوّجه هذا الأخير ابنته الزانة وقبلها كان متزوجا بفاطمة قابو، له 21 ابنا  (12 ذكرا و 09  بنات) فكان حريصا ومهتما بتربية أبنائه وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، وفي سنة 1899 انتقل إلى مدينة عين الصفراء، حيث عمل خوجة للباشا آغا سيدي مولاي وبعد نجاحه في الامتحان عين ليشغل منصب باش عادل أي نائب القاضي وكاتبه مكلف بالاحوال الشخصية والمدنية مع القاضي السيد حشلاف بالعين الصفراء، ليترقى إلى منصب قاض بالعين الصفراء. أما في سنة 1915 تولى مهنة القضاء بمدينة بشار حيث افتك هذا المنصب عن جدارة واستحقاق  وهو ما مكنه من التكريم من طرف المملكة التونسية بوسام أو (نيشان) الافتخار الذي يسلمه الوزير الأول ليقدم استقالته سنة 1922 من مهنة القضاء لثقل المسؤولية وكثرة المظالم بها والتفرغ لكتابة رموز الحضرة، حيث أصبح مريدا للطريقة الكرزازية الموساوية وكان شيخه سيدي بوفلجة بن عبد الرحمان دفين مقبرة سيدي السنوسي بتلمسان  هو الذي أعطاه إجازة لكتابة رموز الحضرة وقبولا لأشعاره إلى أن وافته المنية في فيفري من عام 1933، ودفن بمسقط رأسه الصفيصيفة تاركا وراءه إرثا تاريخيا وثقافيا كبيرا.

الشاعر المتصوف والقاضي المحنك محمد بن يعقوب لم يكن راضيا بالعيش في هذا المجتمع، حيث كان كثير التنقل والأسفار باحثا عن مكان يخلو فيه بنفسه للعبادة وطلب العلم، فهو علم من أعلام الجزائر الذين غطاهم غبار النسيان، وضاعت الكنوز التي تركوها من بعدهم (مثلما وصفه شاعر المنطقة بوحميدة محمد بن عيسى) في كتاب سيرته، مضيفا أنه يضاهي بشعره الشعراء الذين عاشوا في عصره.

محمد بن يعقوب شاعر متصوف وقاضي محنك ألهمه الله قول الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي، غير أنه برع وأبدع في قول الشعر الشعبي الراقي، حيث كانت له في هذا الفن موهبة خارقة، فقد نوّع لأغراض البحور والقوافي، كما برع في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وكتابة رموز الحضرة، حيث ترك مخطوطا كبيرا خصصه لهذا الغرض ، واليوم يسعى أحفاده إلى جمع مخطوطاته وآثاره من خلال الجمعية التي تم تأسيسها مؤخرا لهذا الغرض.

سعيدي محمد أمين